حاملاً شعار العدالة، واصل رئيس «حزب الشعب الجمهوري» التركي المعارض كمال كليجدار أوغلو ومن معه مسيرتهم التي انطلقت من العاصمة السياسية أنقرة في منتصف الشهر الماضي وتجمعت في العاصمة السياحية والتجارية إسطنبول في الذكرى السنوية الأولى للإنقلاب العسكري الفاشل. انطلقت المسيرة في اليوم التالي لصدور حكم بالسجن على أنيس بربر أوغلو نائب رئيس الحزب بتهمة إفشاء معلومات سرية في القضية المعروفة ب «شاحنات الاستخبارات التركية» التي كانت تنقل أسلحة مهربة إلى تنظيم «داعش» في سورية، كان يرافقها عناصر من الاستخبارات التركية وتم توقيفها في أضنة في كانون الثاني (يناير) عام 2014، إذ من المنتظر أن تصل المسيرة إلى سجن مالتبه في إسطنبول حيث يقضي بربر أوغلو عقوبته، وبذلك تكون المسيرة قطعت مسافة 450 كيلومتراً تقريباً مشياً على الأقدام. كليجدار أوغلو الذي لم يشفع له وقوفه إلى جانب أردوغان على منصة واحدة صباح يوم الانقلاب العسكري الفاشل، ليعلن إدانته للانقلابيين وانتصاره للديموقراطية، يريد من مسيرته إرسال رسالة واضحة للداخل والخارج، مفادها أن الديموقراطية في تركيا باتت في خطر محدق، فأردوغان أطبق على الصحافة والحريات والقضاء والتعددية الحزبية والجيش وكل شيء في تركيا تقريباً، وعليه احتاط كليجدار أوغلو في شعاراته جيداً، عندما قال مراراً خلال الأيام الماضية إن «مسيرتنا تسير تحت علم واحد هو علم الجمهورية التركية، ولها هدف واحد هو العدالة والعيش بسلام بعيداً من التدخل في نمط الحياة»، في إشارة إلى أيديولوجية «حزب العدالة والتنمية» الحاكم وممارساته التي تستهدف تغيير بنية النظام السياسي والاجتماعي والدستوري في البلاد. لم ينتظر أردوغان وصول المسيرة إلى إسطنبول، بل سارع إلى توجيه اتهامات خطيرة للمشاركين بها، فقد خاطب كليجدار أوغلو قائلاً: «إذا كنت تعارضون هذا الإجراء – في إشارة إلى حالة الطوارئ– على رغم معرفتكم بالغاية منه، فإن طريقكم الذي تسلكونه هو طريق جبال قنديل وبنسلفانيا– في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني وفتح الله غولن– وإذا كنتم تسيرون في طريق واحد مع المنظمات الإرهابية فإنك لن تستطيع أن تقنع أحداً بأنك تطلب العدالة». أردوغان لم يكتف بوضع هؤلاء في خانة (الإرهاب والمنظمات الإرهابية) وإنما هدد بتوقيف كليجدار أوغلو ونوابه بسبب هذه المسيرة الذي قال إن هدفها الأساسي هو التأسيس لحملة ضده في الانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2019. كليجدار أوغلو الذي يقترب من عتبة السبعين من عمره، يدرك أن مسيرته التي جاءت تقليداً للزعيم الهندي المهاتما غاندي إبان حروب الاستقلال من المستعمر البريطاني (غاندي سار في مسيرة عام 1930 حوالى 400 كليومتر تقريباً من مدينة أحمد آباد إلى قرية داندي الساحلية واستمرت 24 يوماً) ستؤسس لسابقة في التاريخ السياسي التركي، وستفجر نقاشات ساخنات وربما تحدث انقسامات سياسية واجتماعية كبيرة حتى داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم، إذ بحسب أوساط تركية أجرى الحزب استطلاعاً سرياً في صفوفه في شأن الموقف من المسيرة فوجد أن أكثر من ثلثي الأعضاء يؤيدون المسيرة على اعتبار أن المسيرة سلمية وحصلت على الموافقة القانونية وأنها ستعزز من دور القضاء، لكن الذي يثير المخاوف هو ليس تهديدات أردوغان للمشاركين في المسيرة فحسب، بل الأنباء التي تتحدث عن تحضيرات لمنع وصول المسيرة إلى إسطنبول بالقوة وكذلك الدعوات التحريضية ضد المشاركين في المسيرة، وهو ما قد يفتح الباب أمام صدام على الأرض لا أحد يعرف إلى أين سيتطور وكيف سينتهي، لا سيما في ظل حال الاحتقان الشعبي والسياسي في البلاد وانتشار السلاح في كل مكان كما تقول التقارير التركية. الثابت أيضاً، أن الموقف من المسيرة أثار انقساماً سياسياً وحزبياً في البلاد، ف «حزب الشعوب الديموقراطية» وعلى رغم انزعاجه من موقف حزب الشعب بسبب موافقته في البرلمان على قانون رفع الحصانة عن النواب، وهو قانون تسبب بسجن معظم قادته ونوابه، إلا أنه أعلن تأييده للمسيرة وعلى أن تكون منطلقاً لتوحيد المعارضة في مواجهة تفرد «حزب العدالة والتنمية» بالحكم، كما أن جناحاً كبيراً من «حزب الحركة القومية» أعلن تأييده للمسيره وهو ما قد يعمق الانقسام في الحزب ويدفعه إلى الانشقاق في ظل تعاظم الخلافات بين زعيمه دولت باهجلي وزعيمة الكتلة الصاعدة في الحزب ميرال أكشنار، وعليه ثمة من يرى أن المسيرة ربما تكون مدخلاً حقيقياً للتقارب بين القوى التركية والكردية على اختلاف مشاربها في مواجهة حكم «العدالة والتنمية» وفي مواجهة ترشح أردوغان للانتخابات الرئاسية المقبلة. في الواقع، إذا كان الهدف من مسيرة (غاندي تركيا) القول إن الوضع لم يعد يحتمل، وقد تفضي الأمور إلى تحرك الشارع، فإن (صولجان السلطان) قد يفضي إلى سجن العديد من النواب الآخرين بما في ذلك كمال كليجدار أوغلو بتهمة دعم الإرهاب والإرهابيين، وهو تصرف قد يفجر «غزي بارك» جديداً وقوياً هذه المرة على طريق إسطنبول–أنقرة. * كاتب سوري.