الصراع بين تنظيمي «داعش» و «القاعدة»، خرج أخيراً إلى العلن بعدما ظل مكتوماً منذ إعلان الأول قيام «دولة الخلافة» في منتصف العام 2014. فكلٌ منهما يسعى جاهداً الى تولي راية «الجهاد» على أرض المعارك كما يحب أن يسميه «القاعدة» الذي دشن من قبل إمارة إسلامية على أراض يسيطر عليها في أفغانستان. وبينما يرى «القاعدة» أنه أحق بقيادة «دولة الخلافة» باعتباره التنظيم الأقدم في «الجهاد»، والساحة التي انطلق منها قيادات «العمل الجهادي» في أنحاء العالم، يرى تنظيم «داعش» أنه أعلن قيام الدولة الإسلامية، بالتالي يجب على كل الميليشيات والحركات والتنظيمات في كل مكان في العالم إعلان مبايعتها للدولة وإلا وقعت في «إثم شرعي» ووجب خوض صراع مسلح ضدها. ويرى «داعش» في «القاعدة» مجرد تنظيم، فيما هو «دولة»، وجب لها السمع والطاعة والعمل تحت لوائها. نجح تنظيم «داعش» في الوصول إلى ما فشلت «القاعدة» في الوصول إليه، فقد أعلنت ولايات متفرقة في أنحاء كثيرة من العالم مبايعتها ل «داعش» وكان آخرها ولاية الفيليبين والصين، وقد يكون ذلك سبب الحرب بين التنظيمين في سورية وأفغانستان. تلك الحرب بدأت كلامية قبل أكثر من ثلاثة أعوام عندما أعلن أيمن الظواهري زعيم تنظيم «القاعدة» دعمه «جبهة النصرة» وقتها وطلبه من تنظيم «داعش» ترك العمل في سورية للسوريين وكان يقصد مقاتلي «القاعدة» من دون الأجانب من مقاتلي تنظيم «داعش». فخرج عليه الناطق باسم «داعش» أبو محمد العدناني قبل مقتله في غارة أميركية في آب (أغسطس) 2016 متهماً إياه بالعمالة للحرس الثوري الإيراني. هذه الحرب الكلامية التي دارت رحاها عبر عدد من التسجيلات الصوتية، تطورت واقعاً في سورية ثم أفغانستان. أعلنت 25 ولاية مبايعتها وفق أحدث التقارير الآتية من أفغانستان لتنظيم «داعش»، من إجمالي 34 ولاية. كما أشارت تقارير استخباراتية أخرى إلى تأييد 10 في المئة من المنتمين إلى حركة «طالبان» تنظيم «داعش»، فهواهم يسير مع هوى «الدولة»، بالتالي يمكن أن نقول إن الاختراق الحقيقي حدث من داخل الحركة المعروفة بانتمائها إلى «القاعدة». ولعل السؤال المطروح، لماذا أفغانستان؟ كيف لنا أن نتصور أن تنظيم «داعش» يخسر قواعده العسكرية في الموصل وقد يحدث ذلك في الرقة، في الوقت الذي نجده ينافس تنظيمات أخرى في الحصول على مساحات جغرافية من خلال معارك عسكرية في أفغانستان؟ في البداية، لا بد من أن نؤكد أن ما يحدث ل «داعش» في الموصل والرقة لا يمكن أن نسميه خسارة، فالتنظيم منذ بدأ عملياته في العراق وهو ينفذ عمليات نوعية في عدد من العواصم العربية والأوروبية بما يؤكد أن ما يحدث مجرد تكتيك، فهو ما زال قوياً وما يحدث له يمكن فهمه على أنه تراجع محسوب، بالتالي فإن لتحركه نحو أفغانستان فوائد كثيرة، ويمكن وضعه في سياق مزيد من الولايات لدولته المزعومة حتى ولو تعرضت لما يمكن أن نسميه انتكاسات. اختيار أفغانستان قد يكون لأسباب عدة، منها طبيعة الأرض التي تسمح بتفريخ المئات من المقاتلين، فالذين انضموا إلى «داعش» وأتوا من أفغانستان لم يمروا على مراكز تدريب كما حدث مع نظرائهم، فهم في بيئة المعارك الحقيقية. أيضاً هناك رمزية أفغانستان في وجدان «المجاهدين»، فهي أول إمارة إسلامية تم إعلانها في العام 1994، وكل مقاتلي «القاعدة»، هم من «خريجي» هذه الإمارة. الرايات السوداء ل «داعش» أصبحت ترفرف على فرع «القاعدة» في أفغانستان، فكما تصدرت العمل الجهادي بعد إعلان نشأتها وخطفت الأضواء من «القاعدة»، فهي تخطف الأضواء ذاتها منها ولكن في موطنها ونشأتها ومصدر قوتها وأول إمارة لها. خلافات «القاعدة» وما أكثرها دفعت إلى مبايعة تنظيم «داعش» والركون لأفكاره وبالتالي القتال تحت لوائه، هذه المجموعات لم تر أفضل من قتال تنظيمها السابق بخاصة أن حالة الاحتقان تملأ جوف هؤلاء المنشقين، فأعدادهم بالمئات وهم من خيرة المقاتلين. أعتقد أن صراع الطرفين في أفغانستان سيحسم لمصلحة «داعش» وهو ما يدفع روسيا للتفكير باحتلال أفغانستان كما حدث في سبعينات القرن الماضي، ويخلق توتراً مع الولاياتالمتحدة التي اعتقدت أنها رتبت البيت من الداخل الأفغاني عندما اجتاحتها في العام 2001 على خلفية أحداث 11 أيلول (سبتمبر). هذا إن حدث سيدفع دولاً مثل الصين والهند وباكستان وإيران للتعامل مع أزمة «داعش»، فهي دول ذات تماس حدودي وجغرافي وسياسي مع أفغانستان ويهمها عدم سيطرة التنظيم الأكثر تطرفاً على أفغانستان التي تُعاني حروباً داخلية على خلفيات مذهبية وإثنية. صراع «داعش» و «القاعدة» يستند إلى اختلافات أيديولوجية ومساحات تتعلق بأحقية المبايعة، وبالتالي الفكرة ليست مرتبطة بالحدود فقط وإنما بالوجود، وهو ما يفرض صراعاً من نوع آخر ويؤدي في النهاية إلى انزواء راية «الجهاد». معركة بدأها «داعش» وستُحسم لمصلحته وهو ما يخلق مأساة جديدة لا تقل عن مأساة سقوط الموصل وإعلان قيام دولته المزعومة ويفرض تحدياً دولياً جديداً للمواجهة. * كاتب مصري.