زادت المخاوف حول مستقبل السياحة في مصر بعد الاعتداء الإرهابي الذي وقع في 22 شباط (فبراير) الماضي في منطقة الحسين السياحية وسط القاهرة، أسفر عن مقتل فتاة فرنسية وإصابة 24 آخرين، ومن ثم جاءت الأزمة المالية العالمية لتلقي بظلالها على السياحة المصرية. ويقول مدراء في صناعة السياحة أن البطء الاقتصادي ضرب منتجعات البحر الأحمر مثل شرم الشيخ والغردقة ومرسى علم، وذلك يرجع إلى خفض قيمة اليورو والروبل الروسي والجنيه الاسترليني مقابل الجنيه المصري. ورجح خبراء السياحة خفض العائدات السياحية بنسبة 15 في المئة إلى 9.2 بليون دولار في السنة المالية التي تنتهي في حزيران (يونيو) 2009 وبنسبة 15 في المئة في السنة التالية. ويثير احتمال زيادة البطالة مخاوف الحكومة المصرية التي تعتمد على السياحة في ايجاد وظائف مباشرة وغير مباشرة لنسبة 12.3 في المئة من قوة العمل والاسهام بنسبة 7 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي. ويرى محللون أن البطالة يمكن أن تغذي النوع نفسه من القلاقل الاجتماعية والاحتجاجات والاضرابات العمالية التي شهدتها مصر في السنوات الثلاث الماضية، حين تسبب النمو الاقتصادي السريع في دفع معدل التضخم إلى 24 في المئة وهي نسبة لم تحدث منذ 16 عاماً. الجميع يتحدث عن تراجع في الحجوزات التي كانت مؤكدة، وخفض في عدد رحلات الطيران العارض «الشارتر» الذي كان يشكل حجر الزاوية للحركة السياحية التي ترد إلى مقاصدنا شرم الشيخ والغردقة ومرسى علم والجونة /الأقصر وأسوان.ولذلك اتفق أكثر من 30 من منظمي الرحلات الأجنبية والمصرية على عقد ورشة عمل لبحث وتحليل وتحديد الآثار السلبية لتداعيات الأزمة العالمية الاقتصادية والمالية على الحركة السياحية العالمية بصفة عامة والسياحة الوافدة لمصر بصفة خاصة، وتم التوصل لمجموعة من التوصيات من خلال خطة عمل اتفق الجميع على تفعيلها. من جهته أكد رئيس مجموعة جنوبسيناء السياحية انطوان رياض أنه دعا مجموعة من رؤساء جميع الشركات التي يتعامل معها في أوروبا وأميركا والشرق الأوسط وأيضاً من مصر من أجل أن يتدارسوا جميعاً تداعيات الازمة العالمية المالية والتي أثرت على حجم اعمالهم إثر خفض الطلب السياحي من قبل السياح وكيفية الوصول إلى حلول ايجابية. واشار رياض إلى أن دعوته لاقت ترحيباً من قبل هذه الشركات خصوصاً أن رؤساء الشركات السياحية المختلفة من دول العالم يجتمعون خلال هذه الفترة بصفة دورية على مائدة مستديرة من أجل سماع آرائهم والحلول المقترحة والوصول إلى قرارات أو توصيات تخدم عملهم، وهو ما سيقوم به من أجل زيادة الحركة السياحية بين هذه الدول ومصر. وقال إن الاجتماع أسفر عن توصيات عدة أهمها: عدم التراجع بل إعادة الاستثمار وخلق فرص تسويق جديدة، إلى جانب أهمية الترويج للمنتج السياحي من دون التدني بمستوى الأسعار، حيث أن التخفيضات تعد من أسوأ أنواع المواجهة والحلول وإن كانت مقبولة على المدى القصير ولكن البديل الأفضل هو إضافة قيمة للمنتج السياحي. ولفت رياض إلى أهمية دور منظمي الرحلات في إضافة قيمة للمنتج السياحي المصري لجذب الطلب السياحي عليه مع التأكيد على أن التعامل الصحيح مع الأزمة على المدى القصير سيسهم بشكل كبير في التغلب عليها تلقائياً على المدى المتوسط، وبالتالي إمكان التغلب عليها على المدى البعيد. وأضاف أن منظمي الرحلات شددوا على عدم المغالاة في زيادة السعة الفندقية وإقامة منشآت سياحية جديدة حتى لا يكون رد الفعل مبالغاً فيه مع الإبقاء على النظام المتعامل به نفسه أو اقتراح أنظمة أخرى جديدة للتعامل بين منظمي الرحلات وموردي الخدمات في مصر، إلى جانب ضرورة التعرف إلى طبيعة المستهلك وتصنيف الفئات العمرية كافة مع اختلاف متطلباتهم وثقافاتهم والتعامل معها، لا سيما ضرورة مواجهة ظاهرة الحجوزات المتأخرة بحملات وامتيازات أخرى. وأكد أن منظمي الرحلات اتفقوا على أن العروض الخاصة تعتبر أفضل وسيلة للترويج بدلاً من التخفيضات مع وضع نظام للتعامل مع عناصر أخرى مثل زيادة الوعي عند المستهلك وتثقيفه وتوسيع معرفته بالسياحة، مشيراً إلى اهمية متابعة الدعم الحكومي في صورة تسهيلات وإعانات وحملات، وإضافة مقاصد سياحية جديدة مثل الصحراء الغربية والشرقية. وشددت التوصيات على أهمية تقديم كل ما هو جديد للزائر المتكرر لمصر كحافز آخر لزيارتها، وإضافة خطوط سير جديدة للبرامج السياحية بحيث تبدأ بمكان ما في مصر وتنتهي في مكان آخر، خصوصاً بعد أن تم السماح لطائرات «الشارتر» العارض بحرية التحرك من وإلى المطارات الداخلية المختلفة إلى جانب محاولة ملء الغرف والمقاعد الشاغرة بالمشتغلين بالسياحة في الخارج في رحلات تعريفية وذلك لزيادة وعيهم ومعرفتهم بطبيعة المنتج الذي يبيعونه. وشدد منظمو الرحلات على أهمية خفض اسعار الطيران الداخلي وذلك من خلال التفاوض مع وزارة الطيران المصرية، خصوصاً بعد ما أبدته الحكومة من مرونة في التعامل. وطالبوأ الجانب المصري بحث موضوع تأشيرات الدخول وضريبة المطارات ومدى إمكان إلغائهما أو تخفيضهما مع الحرص على الحفاظ على تفرد مصر كمنتج سياحي، والبحث في توافر الدعم المالي من مختلف المؤسسات المعنية، خصوصاً البنوك بما لديها من فائض نقدي لمساعدة منظمي الرحلات في الخارج. وفي الإطار ذاته، تسعى وزارة السياحة المصرية إلى بذل المزيد من الجهود من خلال عقد وزير السياحة زهير جرانة اجتماعات عدة مع اعضاء مجلس ادارات الغرف السياحية والاتحاد المصري للغرف لمناقشة تطورات تداعيات الأزمة المالية العالمية، ومناقشة أهم القرارات الخاصة برؤية كل غرفة على حدة كيفية مواجهة آثار الأزمة المالية العالمية على مصر في الفترة المقبلة. ومن بين القضايا التي طرحت خلال الاجتماعات دراسة موضوع القوافل السياحية إلى السوق العربية وبحث آليات تنشيط السوق السياحية العربية إلى مصر من خلال البدائل المختلفة، إلى جانب مناقشة تفعيل البرامج التي سبق الاتفاق عليها بالتنسيق مع وزارتي السياحة والتضامن الاجتماعي. يذكر أن قطاع السياحة المصري شهد عدداً من الاجتماعات الخاصة بالأزمة العالمية وتداعياتها على السياحة، وصدر كثير من التوصيات التي لم تنفذ حتى الآن ولم تضعها الحكومة في أجندتها وهو الأمر الذي يثير حيرة أهل تلك الصناعة الحساسةفي ظل صمت من أصحاب القرار. وكان جرانة التقى أخيراً وفد منظمي الرحلات الأميركيين في القاهرة، خصوصا أن السياحة الأميركية ارتفعت خلال السنوات الماضية وتحتاج إلى مزيد من العمل من جانب منظمي الرحلات والقائمين على السياحة المصرية من خلال تقديم كثير من العروض وتنويع المنتج السياحي المعروض. وقال وزير السياحة ل «الحياة» أنه رغم الأزمة المالية التي تعاني منها دول العالم أجمع، خصوصاً في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، فلن يتوقف السفر ولن تتوقف السياحة بين الدول والمسؤولية الحالية هي كيفية الحصول على نسبة كبيرة من السياح وكيفية اقناعهم بالسفر إلى مصر. مشيراً إلى أن «التوقعات كافة تؤكد أن العام الجاري سيكون عاماً سيئاً على صناعة السياحة العالمية، بما فيها مصر، وهو ما يفرض علينا العمل مجتمعين من أجل التخفيف من آثار الأزمة وبذل أقصى جهد لتحقيق أرقام مقاربة لما تحقق العام الماضي أو السابق عليه».