حتى قبل سنوات وجيزة، انحصرت دراسة معظم الطالبات الجامعيات العربيات في إسرائيل في مواضيع اللغة والعلوم الاجتماعية والأدب، فتخرجن بمعظمهن ليعملن مدرّسات في المدارس، فيما ذهب البعض اليسير إلى مواضيع علمية. لكن الحال تبدلت في العقد الأخير حتى غدت نسبة الطالبات العربيات في مواضيع «الهايتك» في معهد الهندسة التطبيقية - تخنيون (حيفا)، الأعلى في العالم وفق مساعد رئيس المعهد للشؤون الأكاديمية البروفيسور يوسف جبارين. ويدرس في الجامعات والكليات الأكاديمية في إسرائيل نحو 32 ألف طالب عربي يشكلون نسبة 16 في المئة من مجمل الطلاب الجامعيين، إضافةً إلى 12 ألف طالب يدرسون خارج البلاد، خصوصاً مواضيع الطب العام وطب الأسنان. ومع تحسن الوضع الاقتصادي العام في إسرائيل، وعلى رغم أن العرب ما زالوا الشريحة الأكبر التي تعاني أوضاعاً اقتصادية صعبة، إلا أن العائلات العربية تهتم منذ أكثر من عقد من الزمن في تعليم الأبناء والبنات، وتفضل أن يتحقق ذلك في الجامعات الإسرائيلية على الخارج نظراً الى فارق التكلفة المادية، لكن حيال شروط القبول الصعبة والامتحان التعجيزي (سيكومتري) للقبول في كليات الطب، يتوجه الطلاب إلى الأردن وإيطاليا وألمانيا ودول أخرى لدراسة هذا الموضوع. لكن اللافت في السنوات الأخيرة هو توجه الفتيات إلى المواضيع العلمية لتبلغ نسبتهن من مجمل الطلاب العرب في التخنيون 44 في المئة، فيما تبلغ نسبة الطالبات في جميع الجامعات والكليات الإسرائيلية 65 في المئة من الطلاب العرب. ويعزو جبارين الارتفاع الكبير في عدد الطلاب العرب الذين يلتحقون بمعهد «تخنيون»، الذي يعتبر أحد أفضل 60 جامعة في العالم، للدراسة خصوصاً مواضيع الطب والهندسة على أنواعها، إلى «قرار واعٍ من الأهالي بالاستثمار في تعليم أبنائهم ليوفروا لهم عملاً مناسباً في المستقبل، على رغم أن 50 في المئة من هذه العائلات تعيش تحت خط الفقر»، وإلى حقيقة أن 94 في المئة من خريجي المعهد في مجال «الهايتك» وجدوا أماكن عمل لهم. ويشير أساتذة جامعيون عرب إلى التغيير الايجابي في سياسة الجامعات، بتشجيع من مجلس التعليم العالي، في التعامل مع الطلاب العرب، إذ أقام المجلس «برنامج رُوّاد» الخاص بالمجتمع العربي بإدارة الأستاذ أشرف جبور الذي قال ل «الحياة» إن هدف البرنامج الرئيس هو دعم الشباب العرب وتشجيعهم في الانخراط في الدراسة الأكاديمية، فضلاً عن وضع حد لتظاهرة تسرب الطلاب الجامعيين العرب بعد السنة الأولى، علماً أن البرنامج يقدم منحاً جامعية جدية للطلاب مستوري الحال. وأضاف جبور إن هدف البرنامج هو أن ترتفع نسبة الطلاب العرب، التي تقف اليوم عند 16 في المئة، الى 20 في المئة في غضون خمس سنوات، و26 في المئة بعد عشر سنوات. وقام البرنامج بتعيين أستاذ جامعي عربي في كل من الجامعات الثماني في إسرائيل لمواكبة الطالب العربي منذ وصوله إلى الجامعة وحتى إنهاء اللقب الأول. واعتبر جبارين، المحاضر الكبير في كلية الهندسة المعمارية وتخطيط المدن في التخنيون، بلوغ نسبة الطلاب العرب 25 في المئة من مجمل الطلاب (2500 من مجموع 10 آلاف) «ثورة صامتة» ستعود بفائدة جمة على الدارسين والمجتمع الفلسطيني في الداخل برمّته. وأضاف أن المعهد رصد في السنوات الأربع الأخيرة أكثر من خمسة بلايين دولار لتحقيق تكافؤ الفرص ومنع تسرب الطلاب وتقديم المنح المالية للطلاب الضعفاء اقتصادياً وللمتميزين ولطلاب اللقب الثاني والدكتوراه وما بعد الدكتوراه. وقال إنه لا يعتقد أن هناك معهداً أكاديمياً في العالم يتعاطى مع أقلية مثلما يتعاطى معهد تخنيون مع الطلاب العرب.