بأداء رفيع المستوى، وإيقاع حالم هادئ تتخلله حركات موسيقية متموجة، قدمت عازفة «الهارب» وسوليست دار الأوبرا المصرية منال محيي الدين دويتو موسيقي مميزاً مع عازف الكمان وسوليست الأوبرا حسام شحاتة في الحفلة الكيبرة التي أقيمت في مركز الحرية للإبداع. حكايات أسطورية من عالم الخيال والعاطفة على حد سواء ورقصة مليئة بالحياة والنبض، انسجمت من خلالها أوتار آلة «الهارب» مع الكمان وتفاعلت معها لتخرج الإيقاعات الهادئة والصاخبة بالدرجة نفسها من الانسجام. قدم العازفان الماهران سوناتا ل «الهارب» والكمان للألماني لودفيغ شبور الذي اعتنى بالآلات الوترية فجعلها أكثر مرونة وتوصيفاً، وأدخل تفصيلات واستغل حركات أقواسها للحصول على انسجام أكثر تفاعلاً في الأوركسترا، وقدما عدداً من أعمال نيكولو باغانيني السحرية، أبدعت محيي الدين خلالها في توظيف الأصوات الموسيقية المتداخلة والمنسجمة، وتميزت بقدرتها على زلق أصابع يدها بسلاسة وبراعة على طول أوتار «الهارب» مع دعم ذلك باهتزاز اليد اليسرى الذي انعكس عبر صدى يفوح في فضاء اللحن أكسبه دفئاً فريداً. كما قدما تشاردش لفيتوريو مونتي وهي رقصة تقليدية من الفولكلور الهنغاري تتكون من جزءين: الأول بطيء ومن ثم تنتهي بجزء عالي السرعة يتطلب مهارة تكنيكية عالية، وبالنهايه قدما عدداً من أعمال عمر خيرت لاقت إعجاباً كثيراً من الجمهور. ولعازفة «الهارب» سجل طويل في السعي نحو نشر ثقافة الهارب بين الجمهور العادي والهواة والمتذوقين، علماً أنها تعد آلة نخبوية، بينما تعمل وهي إحدى رائدات العزف العربيات على تلكم الآلة، ردها لجذورها التي ارتبطت بتفاصيل الحياة كافة، ومثلت الهوية المصرية. وتقول محيي الدين ل «الحياة»: «الهارب من أوليات الآلات التي عرفتها البشرية، وهي إحدى أدوات تفرد المصري القديم ونبوغه... النقوش والرسوم التي اكتشفت على جدران المعابد والمقابر الفرعونية تخبر الكثير عن الطقوس الحياتية في مصر والتي لم تغب عنها الموسيقى أثناء العبادات وفي مصاحبة الترانيم والصلوات الدينية وفي الأعياد وبالاحتفالات السياسية والوطنية والاجتماعية، في كل المناسبات تطل آلة «الهارب» كشريك فاعل ضمن طقوس الحياة القديمة، إذ حظيت بقدر كبير من الاهتمام والرعاية من الفرعون والكهنة وكبار رجالات الدولة في وقت كان المجتمع المصري يقدس فيه الفن بأشكاله كافة». وتضيف: «نظراً الى صناعتها المبهرة في الدقة والجمال والزخرفة الرائعة، ولضخامة حجمها فهي مرتفعة الثمن، لذلك يقل مريدوها، على أنها إحدى صفات التمايز التي تحرص على وجودها الأوبرات العريقة حول العالم». وتشير إلى أن آلة «الهارب» لا تجد جمهوراً متذوقاً عالماً بها في عالمنا العربي، فهي آلة نخبوية، وعلى رغم جذورها المصرية الضاربة في التاريخ فإننا لا نحتفي بها بما يليق، وتتوقف علاقة الغالبية بها عند حدود صور التاريخ الفرعوني»، لافتة إلى أن كثيراً من مشاهير الموسيقى العالمية احتفوا بالآلة وقدموا من خلالها العديد من الأعمال الرائعة، ف «آلة الهارب حضورها الأساسي في الموسيقى الغربية وليس الشرقية التي تفتقد لوجود أي نوتة خاصة بها». شاركت محيي الدين مع عدد من الفرق، خصوصاً التي تقدم الموسيقى الشرقية مثل فرقة فتحي سلامة، وعزفت مع المؤلف الموسيقي وعازف البيانو الشهير عمر خيرت، وكانت من الأعضاء المؤسسين في فرقة «بنات النيل»، كما شاركت فرقة فتحي سلامة التي تعتمد على المزج بين موسيقى الجاز بالموسيقى الشرقية وطورا عدداً من الأعمال الشرقية. كما ساعدت آخرين على إعادة صوغ ألحان كبار الموسيقيين الشرقيين كرياض السنباطي ومحمد عبدالوهاب «حتى تتناسب مع طبيعة آلة الهارب وذلك لتوسيع قاعدة الجمهور المتذوق». وصلت محيي الدين الى العالمية إذ صنفت ضمن أفضل عشر عازفات على مستوى العالم، وعزفت مع كبار الأوركسترات العالمية وأحيت حفلات في دول عدة منها البرازيل.