سيدي بوزيد - أ ف ب - قال سالم البوعزيزي إن عربة أخيه محمد الذي اضرم النار في جسده فوقها الشهر الماضي مشعلاً «ثورة الياسمين» التي أطاحت نظام بن علي، «ليست للبيع». وأكد سالم (30 سنة) وهو يعمل نجاراً، انه رفض عرضاً من رجلي أعمال خليجيين للتخلي عن عربة شقيقه الذي اضرم النار في جسده عليها في 17 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، في مقابل مبلغ يساوي قيمتها عشرات المرات. وأضاف: «اتصل بي رجلا أعمال احدهما من السعودية والثاني من اليمن. عرض علي اليمني عشرة آلاف يورو للتخلي عن عربة بيع الفواكه التي كان يعمل عليها المرحوم أخي، لكني لن أبيعها أبداً». وعاد سالم البوعزيزي ليوضح انه تلقى عرضاً من شخص يمني آخر للتخلي عن العربة لقاء 20 ألف دولار، مشيراً إلى انه لا يفقه شيئاً في تحويل العملات الأجنبية. وقال: «ظننت أن 20 ألف دولار تساوي 10 آلاف يورو، أنا لا اعرف إلا الدينار التونسي». وعن العرض السعودي قال سالم: «لم اترك لصاحبه الفرصة لعرض أي مبلغ، وفور قوله انه يريد شراء العربة، أغلقت الخط في وجهه من شدة الغضب». وأضاف: «مستحيل أن أبيع العربة، ليفهم الجميع أنها ليست للبيع، أريد أن احتفظ بها كذكرى من أخي». لكنه أشار إلى أن ما قد يقبل به في يوم ما «هو أن يتم وضعها في إحدى الساحات كمعلم» في المدينة التي تقع في منطقة الوسط الغربي الفقيرة على بعد 260 كيلومتراً جنوب غربي العاصمة التونسية. وكان محمد البوعزيزي (26 سنة) احرق نفسه على هذه العربة التي كان يعيل بها أسرته، بعدما رفض المسؤولون المحليون الاستماع إلى شكواه اثر مصادرة بضاعته ولطمه وشتمه من عناصر من الشرطة البلدية، بداعي بيع بضاعته من دون ترخيص. ووضعت أسرة البوعزيزي العربة التي استردتها الأربعاء الماضي من الشرطة، في مخزن تابع للعائلة. وكانت لا تزال آثار حرق بادية عليها في المخزن الذي وضعت فيه، وتناثرت بقايا قشور برتقال كان يبيعه صاحبها. وبدت آثار الحرق جلية خصوصاً على صندوق فاكهة احمر من البلاستيك كان بجانب البوعزيزي حين وقف على العربة وسكب قارورة بنزين على رأسه وجسده وأضرم النار مستخدماً ولاعته. وبدت آخر علبة سجائر دخنها البوعزيزي مرمية فارغة على العربة ذات العجلات الثلاث التي كان يدفعها بقوة جسده في حين رصفت صناديق فارغة كثيرة في المخزن الذي كان يستخدمه لعمله في حي النور الغربي في مدينة سيدي بوزيد. وقالت امه منوبية (49 سنة): «كان يذهب كل يوم في الساعة الواحدة صباحاً لإحضار الفواكه من سوق الجملة، ثم يجهزها ليبيعها في اليوم التالي ثم يعود ليدفع ثمن البضاعة لمزوديه، ويعود بربحه ليسهم به في إعالة أسرته». وأكد زياد الغربي (26 سنة) الذي قال انه عمل مع البوعزيزي خمس سنوات في السوق، انه «لم يكن لديه رأس مال، لكنه كان صاحب كلمة ويزوده التجار بالبضاعة من دون أن يدفع ثمنها وحين يبيعها يأتي ليدفع لهم». وأشارت خالته راضية (34 سنة) التي بدت شديدة الانتقاد للسلطات المحلية التي لم يأت احد منها للتعزية في وفاة محمد، إلى انه كان يكدح بأمل أن يقتني سيارة للتخلص من عناء دفع العربة. وصبت جام غضبها على قنوات التلفزيون المحلية التي قالت إن أحداً منها «لم يكلف نفسه عناء القدوم إلينا لتصوير معاناتنا»، وكذلك «على المثقفين والسياسيين، خصوصاً الذين يطلون عبر الفضائيات، هؤلاء الذين وجدوا المال للسفر والعيش في الخارج». وتساءلت: «لماذا لم يفعلوا مثل البوعزيزي الذي أقدم وحده على حرق نفسه دفاعاً عن كرامته حين أهين هو الذي لم يكن ينتمي إلى أي حزب سياسي ولا أي تنظيم»، مفجراً بذلك انتفاضة شعبية أنهت في شهر استبداداً استمر 23 عاماً في تونس.