برامج الكاميرا الخفية أو بالأحرى الكاميرا المخيفة، رافقت الجزائريين طوال شهر رمضان المنقضي بمضامين مفرطة في العنف والترهيب، مخلّفة موجة انتقادات لنزعتها نحو الإفزاع والتأثير على نفسيات المجتمع، ومن دون تدخّل من طرف سلطة الضبط لمنع تكرار بثها موسماً تلو آخر. وأصابت برامج تعتمد على الابتذال في استحضار مشاهد العنف اللفظي والجسدي، شارع المشاهدين بتخمة المعروض، ومن ضحالة القيمة الفنية لما يسمى ببرامج الكاميرا الخفية التي اعتمدت على المرأة في شكل كبير لتكون البطلة الأساسية وتعرّضت بذلك لانتقادات شديدة. ففي إحدى البرامج تستغل فيه فتاة المارّة وتطلب منهم مساعدتها في تصليح عطب حصل لسيارتها، ثم يظهر إخوتها الذين يهددون الضحية بالضرب والسب وتزويجه في النهاية بالقوّة على أساس أنّه صديق أختهم وعليه أن يتزوّجها رغماً عنه. وفي محطة تلفزيونية أخرى تمادى البرنامج في تقديم رسائل تشجيعية لتعنيف المرأة في الواقع. ويبدأ المشهد بفتاة توقع ضحاياها داخل مقر للبلدية حين يكتشفون أنهم متزوّجون بفتيات من طريق خطأ تقني في أجهزة الحاسوب بالبلدية، ما يدفع كثراً منهم إلى التعبير عن غضبهم بشتم الفتاة أو ضربها وتهديدها. واستمرت المحطات التلفزيونية الخاصة في بث تلك البرامج، على رغم دعوة المجلس الوطني لحقوق الإنسان السلطات القضائية إلى تطبيق القوانين السارية المفعول في حق القنوات الخاصة التي «تحرّض علناً على العنف ضد المرأة». بينما الجدل الكبير كان من نصيب الكاميرا الخفية «الميت حي»، الذي ترتكز فكرته على نهوض رجل ميت بكفنه من النعش لتخويف عمال مصلحة حفظ الجثث في إحدى المستشفيات وترهيبهم. ويحذّر الإعلامي عبد الحفيظ سجال من الانعكاسات العميقة لمشاهد الكاميرا الخفية في الذهني المجتمعي، ويقول ل «الحياة» إن العنف الذي تتضمنه امتداد لمشاهد تُبث في بقية برامج التلفزيون وتلقى نسب مشاهدة عالية، وخير مثال على ذلك أفلام «الأكشن»، غير أن خطورة الكاميرا الخفية تكمن في أن مشاهدها حقيقية وتظهر الوجه الآخر للأشخاص ضحايا المقالب على عكس عنف الأفلام أو المسلسلات التي تبقى مرتبطة بالخيال والتمثيل، حتى وإن كانت مرفوضة بالنظر لأثرها السلبي على المتلقي. ويشير سجال إلى أثر تلك المشاهد على سلوكيات المجتمع، غير أنه من الصعب قياس درجة هذا التأثير في ظل غياب دراسات علمية في الجزائر حول هذه الظاهرة، ما من شأنه أن يبيّن مدى ترسّخها وسط المتلقين. موضحاً أن الجميع متفق على أن ارتفاع مستويات العنف في الجزائر ربما سببه إلى ما عاشته البلاد من إرهاب ودم في تسعينات القرن ال20، خصوصاً أن جيل تلك الفترة هو شباب اليوم. غير أن سجال استدرك لافتاً إلى أنه من المعيب أن نضع الناس في وضعيات لا يحسدون عليها ونربط ردودهم بالعنف الموجود في المجتمع والشارع، لا سيما عندما تكون هذه المقالب استفزازية بطرق رخيصة تدوس على قيم المجتمع الجزائري. لذا، من الواجب على كل طرف تحمّل مسؤولياته والاعتراف بأن برامج الكاميرا الخفية بحثت عن الإثارة ونسب المشاهدة على حساب المهنية وشروط إعداد برامج المقالب الواجب توافرها في مثل هذه الأعمال. من جانبه، دعا رئيس القسم الثقافي في صحيفة «الفجر» فيصل شيباني، إلى تعميم الوقفات الاحتجاجية ضد برامج مبتذلة كهذه، حتى يقف الجزائري ضد العنف الذي يجري ويدخل بيوتنا عبرها، على خلفية المبادرة التضامنية مع الروائي رشيد بوجدرة الذي تعرّض إلى إهانة الكاميرا الخفية، خصوصاً أن هذه البرامج تحوّلت من الترفيه إلى العنف والإرهاب واستعمال الأسلحة والتهديد، ناهيك عن العنف اللفظي والتدخّل في خصوصيات الناس. وأضاف شيباني أن هذه البرامج وقعت في الابتذال وتغذّي العنف داخل المجتمع، فعندما يرى الطفل هذه الأشياء يتشجع على تقليدها وهو أمر غير مقبول تماماً. وطالب شيباني سلطة ضبط السمعي البصري بتدخل حازم ووقف هذه البرامج مستقبلاً، والتي قبل كل شيء تسيء إلى الذوق العام نظراً لغياب الإبداع والخيال وارتكازها أساساً على التخويف والترهيب، وبذلك تكون هذه البرامج قد ابتعدت عن المغزى الحقيقي للكاميرا المخفية. ويعتبر سجال أن سلطة الضبط لا تحقق المأمول منها نظراً إلى صلاحياتها المحدودة وعدم حصولها على دعم وزارة الاتصال، وفق ما أكده رئيسها زواوي بن حمادي أخيراً. وكان كشف أن الوزارة طلبت من التلفزيون الرسمي مقاطعة نشاطات سلطة الضبط، و«التي يبقى تحرّكها محدوداً في ظل غياب دفتر شروط وميثاق أخلاقيات يحدد المسموح في برامج التلفزيون. لذا فإن المحاولات لضبط ما يحصل اجتهادات شخصية غير مبنية على قوانين واضحة. ويبقى المشاهد هو الضحية». لكن بن حمادي، حدد سقفاً لتحرّكاته، وقال في تصريح إنه على الأشخاص المتعرّضين للإساءة عبر القنوات التلفزيونية الخاصة، التقدّم بشكوى والضغط على هذه القنوات من خلال اللجوء إلى العدالة، موضحاً أن إدارته تتدخّل في حال تسجيل «تجاوز خطير» يمس أساساً برموز الدولة. بيد أن بن حمادي اعترف بتضمّن البرامج لا سيما برامج الكامير الخفية مشاهد «العنف والبذاءة»، التي وتحت غطاء الترفيه تسيء إلى «الكرامة الإنسانية»، معرباً عن ذهوله «لحجم تفاهة بعضها». ومع اكتفاء الأجهزة الرقابية بالتنديد بمضامين هذه البرامج، أفتى إمام المسجد الكبير في العاصمة الجزائر، الشيخ علي عية، بعدم جواز بثها وحسبه «من ناحية الشرع لا تجوز لِما في ذلك من مخادعة وكذب وافتراء، لأن ديننا يحرم هذا الشيء»، مشدداً على أنه في حال تضمّنت رعباً، أو كذباً، أو أذى للإنسان، وفيها تخويف، أو تنابز، أو مضرة، أو تضييع للمال، أو إلصاق تهم بالأشخاص، ومن لهم قيمة في المجتمع، فهي حرام.