تفرض مسألة إندماج المهاجرين السوريين في البلدان الأوروبية نفسها بشدة، خصوصاً في الأعوام الأخيرة بعدما زادت أعدادهم بنسبة كبيرة وباتت الأضواء تسلّط عليهم أكثر من أي وقت مضى مع كثرة المشكلات والأزمات والتوترات الاقتصادية والاجتماعية، التي تعزوها نسبة وافرة من الأوروبيين إلى مجيئهم. والواضح أن تلك الإشكالات أفرزتها ظواهر لا سابق لها في صفوف اللاجئين، كأنها تريد إحداث صدمة ثقافية، من ناحية، كما حفّزت روح التحدي لدى بعضهم بهدف إبراز التفوق، من ناحية أخرى. أخيراً، استقبل ملك السويد كارل غوستاف السادس عشر الشابة السويدية من أصل سوري راضية المصري وكرّمها لحصولها على شهادة القيادة المبنية على القيم والمبادئ، والتي تمنح لأصحاب الدور القيادي في المجتمع ويتقدّم إليها مئات سنوياً، لتختار بعدها اللجنة المنظمة للجائزة عدداً معيّناً منهم. ونقلت الإذاعة السويدية عن المصري قولها إنها واجهت صعوبات في حياتها المهنية بسبب حجابها، لكنها تمكّنت من الوصول إلى هدفها وحققت ما تريد ليستضيفها ملك السويد شخصياً تقديراً لجهودها. وليست المصري النموذج الوحيد في هذا السياق. فقد كان لافتاً احتفاء التلفزيون السويدي الرسمي بالفلسطينية السورية فرح شقير (19 سنة) بعد إتقانها اللغة السويدية الصعبة وحصولها على العلامة الكاملة في امتحانات الثانوية العامة، وذلك في غضون عام ونصف العام من وصولها المملكة الإسكندنافية كما أفادت. وأعربت في حديثها عن سعادتها الغامرة لنيلها الشهادة بتفوّق منقطع النظير على رغم ويلات الحرب التي مرت عليها حينما كانت في سورية، حيث أرادت تحدي نفسها والبدء من نقطة الصفر، متجاوزة العقبات الروتينية وحتى تلك التي صدرت من أساتذتها السويديين. وسرعان ما تم قبولها في كلية طب الأسنان في جامعة مالمو التي تفرض نظام «الكوتا» الذي يقيّد عدد المسجلين فيها سنوياً. وانتشر بسرعة البرق خبر قبول الطالبة الفلسطينية السورية مايا الأسدي في كلية الطب البشري في جامعة غوتبورغ بعدما حققت المجموع التام في امتحانات الثانوية أيضاً، نظراً لأن هذه الكلية تفرض شروطاً صارمة جداً على من يسعى أن يصبح من طلابها، حيث يلعب اختلاف طرق التعليم ومناهجه في السويد عما عليه في سورية، دوراً كبيراً في إضافة مزيد من العراقيل. وفي الوقت عينه، اختار آخرون مسلكاً مختلفاً وجدوا فيه الطريقة التي يمكن لهم من خلالها أن يعبّروا عن ذواتهم في مجتمع غريب أتوا إليه من وطنٍ ضائع. وقد لا يحمل اسم رفعت روتشيلد أي خطأ مطبعي. فالسوري المتحدّر من اللاذقية والمقيم في استوكهولم، قرر تغيير ديانته من الإسلام إلى اليهودية. وليس هذا فحسب، بل يعتزم السفر إلى إسرائيل والحصول على جنسيتها «حينما تسنح الفرصة». ويسرد روتشيلد لوسائل الإعلام الطريق التي سلكها وانتهى بها إلى تلك القناعة، مشيراً إلى أنه لطالما شكك بالأفكار التي نشأ عليها. ويقول إنه مر بأوقات صعبة بسبب إدمانه على المخدّرات وصدور حكم من القضاء بحقه في هذا الخصوص، فقرر زيارة كنيس في العاصمة السويدية والتحدّث إلى حاخام وقراءة التوراة ودراسة الدين اليهودي. ويضيف أن القائمين على الكنيس رحبوا وقبلوا به تماماً، وأنه شعر ب «سلام وهدوء داخلي» لأن أصدقاءه الجدد قبلوا به كما هو. ويؤكد أن لديه أصدقاء مسلمين ومسيحيين ويهوداً من مختلف أنحاء العالم، كما ينتقد بشدة أولئك الذين لا يعترفون بإسرائيل! كذلك، ضجت مواقع الإنترنت قبل شهور بخبر «خطبة» المغني البورتوريكي المشهور ريكي مارتن على الرسام السويدي من أصل سوري جوان يوسف، وهو من جيل المهاجرين أو اللاجئين في فترة ما قبل الحرب في سورية. وقدم إلى السويد صغيراً مع عائلته وأمضى جل حياته متنقلاً بينها وبين بريطانيا، قبل أن ينتقل للعيش في لوس أنجليس بهدف الاستقرار مع مارتن. وتبدو تفاصيل حياة يوسف أقل إثارة للجدل إلى حد ما من روتشيلد. فقد ولد عام 1984 في مدينة رأس العين السورية لأب كردي مسلم وأم أرمنية أرثوذكسية متدينيْن اعتبر زواجهما «مزيجاً غير مثالي» في سورية، على حد قوله. وسرعان ما درس الفنون الجميلة في كلية سانت مارتن في لندن وأقام معارضه في مدن عدة حول العالم، وهي الوسيلة التي تعرّف من خلالها على المغني البورتوريكي. وعلى ما يبدو، ستُظهر الأيام المقبلة أمثلة أخرى للاجئين هضموا المعادلة الجديدة التي فرضتها الظروف عليهم، ونماذج لآخرين لم يتمكنوا من ابتلاع حجم التغيّر الثقافي الكبير جداً، باعتبار أن عدد الذين قدموا السويد خلال الأعوام الثلاثة الماضية يبلغ حوالى ربع مليون نسمة.