لم تُحدِث نتائج الانتخابات النيابية تجديداً في البرلمان الفرنسي فحسب، بل أضفت عليه أيضاً مسحة أنثوية تُعتبر سابقة في تاريخه، إذ ارتفعت نسبة أعضائه من الجنس اللطيف إلى 38.7 في المئة، من 26.8 في المئة في البرلمان السابق، و12.3 في المئة عام 2002. وقفز عدد النساء في البرلمان من 115 إلى 223 نائباً، من إجمالي 577 عضواً. ويشكّل هذا العدد سابقة في تاريخ البرلمان الفرنسي الذي طالما طغت الذكورية على أروقته، واشتكت أعضاؤه النساء من زلات لسان عفوية أو متعمدة في حقهنّ. وشكت النائب السابقة عن حزب أنصار البيئة الخضر سيسيل دوفلو، مراراً من صفير يطلقه زملاء ذكور لدى تنقلها في قاعة البرلمان. وكانت النائب والوزيرة السابقة الاشتراكية ماريسول تورين ألقت كوباً من الماء على وجه زميلها النائب الاشتراكي برنار رومان بعد تفوّهه بمزحة سمجة. هذا السلوك لدى نواب ذكور شائع ومعروف، ويميل بعضهم إلى التقليل من شأنه، باعتبار أن البرلمان مرآة للمجتمع الفرنسي على تنوّعه. وإذا صحّ هذا القول، فإن ما تُظهره المرآة عن البرلمان الجديد يتّسم بالشباب والأنوثة التي نجحت أخيراً في الارتقاء داخل المجلس، بعد نحو 17 سنة على إقرار قانون يفرض المساواة بين النساء والرجال في المؤسسات السياسية والعامة. ويعود الفضل في ارتفاع الكوتا النسائية في البرلمان إلى حركة «إلى الأمام» التي أسّسها الرئيس إيمانويل ماكرون، والتي تعمّدت أن يتوزّع مرشحوها للانتخابات التشريعية مناصفة بين النساء والرجال. وبذلك بلغت نسبة النساء بين نواب الحركة 47 في المئة، في مقابل 24 في المئة لحزب «الجمهوريين» اليميني. وكسرت الحركة سلوكاً اعتمدته الأحزاب سابقاً، تمثّل في سدادها غرامات مالية طائلة تُقدر بملايين اليوروات، للامتناع عن التزام المساواة في توزيع المناصب بين الجنسين. كما أن أحزاباً عمدت إلى ترشيح نساء في دوائر يُرجّح ألا يفزن فيها. وقالت كاثرين باربارو، القائمة بأعمال رئيس «إلى الأمام»: «للمرة الأولى في الجمهورية الخامسة، سيشهد البرلمان تجديداً عميقاً، وسيصبح أكثر تنوعاً وشباباً». ولفتت إلى «حدث تاريخي لتمثيل النساء في البرلمان». وأظهرت أرقام أعدّها الاتحاد البرلماني الدولي أن ذلك يرفع فرنسا من المرتبة ال64 إلى المرتبة ال17 في الترتيب العالمي للتمثيل البرلماني للنساء، والسادسة في أوروبا، متجاوزة بريطانيا وألمانيا. وأعلن البرلمان أن متوسط عمر النواب الجدد تراجع من 55 إلى 49 سنة. وأشار إلى أن ثلاثة أرباع النواب يبدأون ولاية أولى. ومع أن البرلمان لن يستأنف نشاطه قبل الأسبوع المقبل، اختار نواب جدد زيارة مقرّه بعد الانتخابات، وبينهم النائب عن «إلى الأمام» المغربية الأصل نعيمة موشتو (35 سنة) التي أعربت عن «فخر بالغ» لتمثيلها منطقة فال دواز (ضاحية باريس)، مبدية شعوراً ب «المسؤولية الكبرى» حيال مهمات منصبها الجديد. وسبق لموشتو أن زارت البرلمان بصفتها مواطنة عادية، وهي الآن تعتزم التعرّف إلى أروقته وزواياه، في إطار أدائها مهماتها التشريعية، علماً أنها ستلتقي نواباً من أصل مغربي أيضاً، بينهنّ أمل الخريفة وسارة الحائري وفيونا لازعر. وبين النواب الجدد أيضاً تيفين دوغو، الأصغر سناً بين أقرانها النساء (24 سنة)، والتي كان يُفترض أن تواصل دراستها الجامعية في المحاماة، علماً أنها ناشطة في الدفاع عن حقوق الحيوانات. ولا شك في أن الوجه النسائي الأكثر حنكة وضراوة، الوافد على البرلمان الجديد، هو رئيسة حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف مارين لوبن التي فازت للمرة الأولى في منطقة هينان بومون، والتي سيشكّل حضورها الجلسات النيابية فرصة للمناوشة والاستفزاز اللذين تتقنهما.