ما أن ينتهي الدوام الرسمي في الإدارة الحكومية، وبمجرد أن يستقل السيارة وقبل أن يدير المحرك ويهمّ بالانطلاق، يضع عبدالرحمن العقال متبوعاً بالشماغ والطاقية في المقعد الخلفي ولا يستخدمها إلا صباح اليوم التالي. فهو لا يلبسها إلا أثناء الدوام والمناسبات الرسمية ويقول: «لا أحب الرسميات، لكنني أجد نفسي مجبراً على ذلك، لذا فإنني في النهار بلباس، وفي المساء بآخر مُغاير ومختلف تماماً». ويقر عبدالرحمن بأن اللباس «جزء من هوية وعادة وثقافة كل مجتمع، لكن ليس كل من يلبس على سبيل المثال بنطلوناً وقميصاً، يفتقد هويته ولا يحافظ على العادات والتقاليد، وليس لديه وعي وثقافة». ويقول: «الغرض من هذا اللبس هو سهولة الحركة والتنقل، وبخاصة عندما تكون الأجواء شديدة الحرارة، ونسبة الرطوبة لا تطاق. وأنا لا أتحمل البقاء بالزي المحلي»، مشيراً إلى أنه يؤيد عدم التقيد به. ويضيف: «لكل شخص الحرية في اللباس. كما لكل جهة ضوابطها ما دام في نطاقها. لكن مجرد أن يخرج منها، فهو حر، وليس لها الحق عليه، فاللباس من خصوصية الشخص وحقوقه، شريطة أن يراعي الذوق العام. ولا يوجد رابط بين قلة الوعي والثقافة، واللباس». لكن أحمد يختلف معه في ذلك، فهو يعتبر اللباس «جزءاً مهماً من الشخصية. وما نراه وبخاصة في الآونة الأخيرة، يحتاج إلى إعادة نظر. فالأمر تحول من لباس لدى البعض، إلى تغير في الأفكار، وعدم مراعاة للمجتمع الذي يعيش في وسطه. وبات الكلام ليس فقط حول لبس البنطلون والقميص، أو الاعتراض على ذلك، بل تطور، وأصبحنا نرى مشاهد مقززة، وتشويهاً لهذا اللباس». ويشير أحمد، إلى «قلة الوعي والثقافة لدى بعض الشباب السعودي، وحتى من نعول عليهم، وأعني طلاب الجامعات والدراسات العليا، وعند مقارنة بين الجيل الماضي والحالي، تجد الصورة مختلفة، ليس فقط في اللباس، بل حتى في مستوى الثقافة والوعي والحياة العملية، فبعض الطلاب يأتي إلى الجامعة كأنه ذاهب إلى سهرة ومكان ترفيهي... البنطلون ضيق، والقميص قصير. ولا يجد بعضهم غضاضة بأن يجعل جزءاً من جسده مرمى للنظرات والمشاهدة. أضف إلى ذلك شكل الشعر، فإما تراه منفوشاً في شكل غريب، وإما ممسوحاً بطريقة أعجب بأنواع الكريمات ومثبتات الشعر. وإذا أضفت إلى ذلك قلة الثقافة والوعي، فمن هذه الخلطة هل يا ترى نخرج بجيل واع نعتمد عليه؟ لا نعمم هذا الكلام على الجميع، فلدينا شباب، وإن كانوا قلة، لكنهم مفخرة، وعلينا أن نشير إليهم، ونبرزهم». ويرجع الباحث الاجتماعي محمد الغنام قلة الوعي أو الثقافة لدى الشباب، الذين يمثلون نسبة عالية في المجتمع، إلى «غياب القدوة، والمراكز الثقافية التي تجذب الشباب، وكذلك الأنشطة والفعاليات الثقافية»، مضيفاً: «أما القدوة؛ فشاهد الإعلانات، وأنظر إلى الدراما والمسلسلات والأفلام. وكل هذا ينعكس على عقلية الشاب، ويؤثر في رسم مستقبله، وثقافته ووعيه، وحتى في طريقة ملبسه وصورته الشخصية»، مؤكداً الحاجة إلى «مراكز ثقافية جذابة، تجيد فن العرض، ولا تشعر بالكآبة عند الذهاب إليها، والجلوس فيها. وبالنسبة الى الأنشطة؛ فقد تكون موجودة في داخل أروقة المؤسسات التعليمية، وغائبة خارجها، وإن وجدت فإنها تكون على استحياء». ويردف الغنام ان «شريحة كبيرة من الشباب يغلب عليهم الجانب الترفيهي، والاهتمام فيه أكثر، ويحظى بنصيب كبير من وقتهم، ونحن لسنا ضد ذلك، فكما ان الجانب العملي والاهتمام بالوعي والثقافة له أهمية، فالجانب الترفيهي أيضاً له أهميته. لكن لا ينبغي أن يحتل مساحة كبيرة في ذهن الشباب، ويكون عائقاً أمام بناء مستقبلهم، فالخريطة الثقافية والوعي لدى كثير من الشباب شبه غائبة، إن لم يكن غائبة بالفعل». ويستشهد بأنه «عند قياس وعي الشعوب واهتمامها الثقافي، المكتبات العامة والخاصة، ورفوف الكتب، تجدها في كثير من الدول وبخاصة الغربية، تشهد حركة كثيفة ونشاطاً وطوابير انتظار، وكذلك في الأماكن العامة وصالات السفر المكتظة بالمسافرين، لا تكاد أيديهم تخلو من كتاب أو صحيفة، وتجد في كل محطة قطار مكتبة تزخر بأنواع الكتب، ذات الأحجام والأشكال والعناوين المختلفة، أما هنا فاذهب إلى المكتبات ستجدها شبه خالية، والكتب تنتظر من يقلّبها ويتصفحها، بينما الأركان المخصصة للكماليات الأخرى، كالحواسيب والجوالات وما يندرج في قائمتها، وآخر الصرعات والموديلات الخاصة بها، تنال النصيب الأكبر من المشترين والمتفرجين».