إذا ما دعتك الظروف إلى السير نهاية الأسبوع عبر مركز محمود سعيد مجتازاً منطقة دوار المطار القديم في عروس البحر الأحمر، ربما ستفقد التحكم في مقود مركبتك، إذ ستتطاير أنظارك هنا وهناك بين مجموعات اتخذت من فضاءات ذلك المكان ميادين لنفض همومهم والترويح عن أنفسهم في رياضة لا يجيدها غيرهم. وما إن ينقضي دوام يوم الأربعاء من كل أسبوع، يبدأ أفراد الجالية الباكستانية في جدة في جمع معينات لعبتهم المفضلة «الكريكيت»، إلا ويتوافدون إلى ساحة الملاعب من وقت باكر من عصر كل خميس وجمعة. وتسبق الوصول إلى ميادين التنافس نقاشات توحي للمستمع إليها بحمى تنافس بين الفرق المتشكلة، ومشجعين يقفون مع كل هجمة سانحة، وصيحات مع كل لقطة رائعة، ويصل النقاش التنافسي أوجّه عقب إطلاق حكم المباراة صافرة نهايتها، لتبدأ مباراة الجماهير المنحاز كل لفريقه أو مجموعته المفضلة، إذ تتشكل الفرق في الغالبية على أساس التعارف أو التجمع المكاني في أحياء العروس فتذوب الانتماءات العرقية الباكستانية المعروفة من لاهور وبنجاب وسند وبلوش وغيرها. ولم يقف مد الهوس باللعبة (غير المنتشرة عربياً وإقليمياً في المنطقة المنتمية لها السعودية) بأبناء الجالية الباكستانية فحسب، بل ظلت أعداد مهولة من أفراد بقية الجاليات المختلفة المقيمة في المملكة تحرص على حضور مباريات الكريكيت التي تنقسم بدورها في تشجيع من يستهويها أداؤها من الفرق المتبارية، كما أن للحضور السعودي علامة فارقة في صفوف المصطفين لمتابعة «حمى التنافس الكريكيتي»، إذ وجدت مجموعات منهم في حضورها برنامجاً أسبوعياً جيداً، وفاق الحرص على ذلك إلى تعرف أعداد كبيرة منهم على المجيدين للعبة والنجوم المميزين من لاعبي الفرق المتنافسة. ويحبذ الباكستانيون لعبة الكريكيت أكثر من أي رياضة أخرى بما في ذلك اللعبة الشعبية العالمية الأولى (كرة القدم) ويجيدونها أكثر من أي بلد آخر في العالم، إذ تعد لديهم ليست مجرد لعبة رياضية فحسب، بل تجاوزت كل المعايير لتصبح عقيدة تتضافر فيها كل الجهود وتشتعل فيها العواطف الروحية والنفسية حتى أصبحت في عقل وقلب كل باكستاني. وتلعب «الكريكيت» على ميدان معشوشب، تتوسطه أرض بيضاء طولها 20٫12 متر، يتنافس فيه فريقان، يضم كل واحد منهما 11 لاعباً، تضرب فيها كرة بحجم قبضة اليد من قبل لاعب يدعى «رامي الكرة»، أما اللاعب الخصم الذي يدعى «رجل المضرب» فيحاول صدّ الكرة باستخدام مضرب نحيف شبيه بالمجداف، ويتركّز الانتباه أساساً حول علامتين تشكلان الأهداف تدعيان «ويكيت» (Wicket) هما مجموعة من ثلاث عصي متصلة تسمى «جذوع الكريكيت»، يحاول رامي الكرة إصابتها لكي يوقع قطعتين خشبيتين مثبتتين على الجذوع تدعيان «كفالات الكريكيت».