نادرة هي البرامج التلفزيونية التي يتطابق اسمها مع مضمونها، ولعل برنامج «حديث البلد» على شاشة «أم تي في» اللبنانية هو احد ابرز هذه البرامج، فهو بالفعل اسم على مسمى، اذ يمكن القول انه بات حديث البلد اللبناني وربما بقليل من المبالغة بات حديث البلدان العربية أيضاً، فالبرنامج الحواري المنوع الذي يستضيف في كل حلقة ضيوفاً مختلفي المشارب والاهتمامات والخلفيات، نجح فعلاً في الإمساك بزمام الحكي اللبناني بشؤونه وشجونه، وهو حكي يمتد من السياسة الى الاقتصاد فالفن فالمجتمع... حيث ان «حديث البلد» بضيوفه وموضوعاته وقضاياه يختزل المشهد اللبناني بجمالياته وتناقضاته عبر التقاء الضيوف كافة وتفاعلهم حول مائدة البرنامج المستديرة التي تتوسطها مقدمته المتمكنة منى أبو حمزة. الحوار هنا تفاعلي شيق، ليس مسلوقاً وجاهزاً كما الحال في برامج مشابهة، ذلك ان الكثير من موضوعات النقاش تبدو مشتقة من سياق تطور الحلقة، بمعنى انها ليست مدرجة بالضرورة ضمن محاور النقاش المعدة سلفاً ما يضفي على البرنامج دينامية وطزاجة مطلوبتين وسط كم البرامج الحوارية الجماعية التي غدت في العديد منها منابر ثرثرة جماعية وساحات ضوضاء كلامية وفوضى حوارية غير خلاقة بالمرة. شؤون أسبوع وشجونه على ان ابرز ما يميز «حديث البلد»، جَمْعُه بين ضيوف متباعدي الاهتمامات والنشاطات، كما سبقت الإشارة، فالضيف الأول يكون عادة رجل سياسة، وزيراً أو نائباً في البرلمان اللبناني... يعقبه مطرب، فممثلة، فناشطة مجتمع مدني، فنقابي، فأكاديمي، فراقصة، فكاتب... وهكذا، والضيوف وافدون من مختلف حقول النشاط والإبداع الانسانيين، ولا حاجة للتأكيد هنا على مدى أهمية تلاقي آراء كل هؤلاء الضيوف المختلفين عن بعضهم والمتنافرين أحياناً، وتلاقح تجاربهم، فالبرنامج يقدم والحال هذه زوايا نظر ومقاربات متعددة لموضوعات بحثه التي عادة ما تكون مدار الحديث اللبناني خلال أسبوع من التطورات السياسية، الى المناسبات والفعاليات الاجتماعية، الى الإصدارات الفنية والنشاطات الثقافية، فهو يسلط الضوء على كل هذا ليؤكد على تعددية المجتمع ورحابته وتنوع خياراته واهتماماته، على الضد من تلك البرامج الصدئة في الفضائيات اللبنانية والعربية عامة، القائمة على أحادية الطرح واختزال الاجتماع اللبناني وكل اجتماع عربي آخر في ايقونات القضايا الكبرى المقدسة إياها التي لطالما تلظت شعوب منطقتنا، وفي مقدمها اللبنانيون، بنارها ولا زالوا. فكم جميل ومطلوب ان نهتم بالمسرحية وبالفيلم السينمائي وبالمعرض التشكيلي وبالكتاب والالبوم الغنائي، قدْرَ اهتمامنا واحتفائنا بقضايا التحرير والتوحيد ومعارك الأمة لتركيع الأعداء والعملاء، وهذا بالضبط ما يساهم «حديث البلد» في نجاح في تحقيقه. و «حديث البلد» الذي يستضيف نحو عشرة ضيوف في كل حلقة يتميز علاوة على ذلك بصديق البرنامج الذي يلعب دور المعقب على كلام الضيوف، والمتصيد لهفواتهم وتحفظاتهم والممعن في ما بين سطور كلامهم وإجاباتهم. صديق البرنامج يلعب والحال هذه دوراً كبيراً في إغناء الحوار، عبر تلطيفه وتسخينه على حد سواء. والجميل ان الصديق هذا يتميز عادة بروحه وخلفيته الكوميديتين وبسرعة بديهته. وحسبنا الإشارة هنا تدليلاً على ذلك الى تعاقب كل من ميشال أبو سليمان وشادي مارون وليليان نمري وطوني أبو جودة وايلي ايوب على لعب دور صديق البرنامج، على ان الطابع الجماعي التفاعلي للحوار يترافق مع فقرة خاصة لكل ضيف على حدة تركز على شخصيته ورؤاه ونشاطاته، وصولاً الى ما يشبه الاستنطاق في فقرة «انترفيو»، التي تطرح فيها ابو حمزة جملة اسئلة سهلة ممتنعة تغوص في عمق نظرة الضيف الى الاشياء، الى الطبيعة، الى الحياة وما تكتنفها من معان وخلاصات، لتعقبها فقرة يختار فيها الضيف بطاقة من بين مجموعة بطاقات تتضمن طلبات مختلفة لا تخلو من الطرافة والإحراج، كطلب تقبيل احد الضيوف الآخرين، وهنا يتبارى الضيوف الرجال على الفوز بقبلة الضيفة الحسناء، او ان يطلب ممن يسحب البطاقة استبدال فردة حذاء مع الضيف الجالس بجانبه... وهكذا، بما يضفي اجواء مرحة على الجلسة ويظهر الوجه العفوي لضيوف البرنامج. في النهاية يحصل المشاهد على وجبة معرفية وترفيهية دسمة، ذلك ان المعرفة الممزوجة بالترفيه هما ما يضفيان على «حديث البلد» نكهته المميزة كبرنامج صار والى حد كبير حديثاً للبلد، كيف لا وهو الذي تقول عنه مقدمته الحسناء في مستهل كل حلقة انه برنامج يحكي كل شي عن كل شي. إنها الشفافية والشمولية إذن دعامتا متعة «حديث البلد» وجاذبيته وتجدده. * «أم. تي. في»، 20.15 بتوقيت غرينتش.