تحول عمل الزوجة في السعودية من واقع يرفضه الزوج أو يعتبره هامشياً في أحسن الأحوال، إلى النقيض تماماً، فبات توظيف الزوجة حلماً يسعى الشبان لتحقيقه، وتقديم تضحيات غير بسيطة من أجل استمراره. تحوّل حصل خلال نحو عقد أو أقل، وبات عمل المرأة أكثر قبولاً وانتشاراً. فالوظيفة التي كان الشاب، يشترط على الفتاة تركها إذا أرادت الارتباط به، هي نفسها التي أصبح يستميت اليوم من أجل وصول زوجته إليها، مع استعداده التام للانتقال بوظيفته معها من مدينة أو حتى منطقة إلى أخرى، إذا استدعى الأمر. ومع هذا التغير السريع في النظرة إلى وظيفة المرأة، تضاعفت حظوظ الفتاة العاملة مقابل غيرها في الزواج، فاحتل العمل موقعه كميزة توازي الجمال والأخلاق والتعليم وأحياناً تتفوق عليها، وهو أمر لمسته كثيراً معلمات المدارس السعوديات، وهن يعتبرن من أوائل السعوديات اللواتي انخرطن في الوظائف المنتظمة. خالد، شاب يمثل نموذجاً للتضحية في سبيل الحفاظ على الفرصة الوظيفية التي حظيت بها زوجته، فبعد أن عينت في وظيفة تعليمية، ولكن في منطقة نائية، تبعد من مقر عمله وسكنهما أكثر من 400 كيلومتر، وجد الزوجان نفسيها في مأزق محير. مأزق ما لبث أن حلّه عبر تضحية كبرى تمثّلت بالانتقال ب «حياته وعمله إلى مقر عمل زوجته، مقدماً في سبيل ذلك الوساطات والشفاعات، ومتحملاً مشقات الانتقال وتبعاته»، على حد قوله «إلى أن تُفرج، وتحصل زوجته على نقل يعيد موازين حياة الأسرة إلى نصابها». شبان سعوديون كثر واجهوا معضلة خالد وزوجته، ووجدوا حلاًّ لها بالاستعانة بأم الزوجة أو بأحد إخوتها للسفر مع الموظفة إلى مقر عملها، مقدمين تضحيات بطرق خاصة. وبين الرغبة في تقليص المشكلات بين الزوجين، من خلال منح الزوجة السعودية ما يشغلها عن التدقيق في كل صغيرة وكبيرة في تصرفات زوجها ومنزلهما، وتمني توسيع مداركها وآفاقها بالاحتكاك بالعالم الخارجي عبر توظيفها، يبقى السبب الاقتصادي المادي أكثر الدوافع قوة لتقديم الزوج كل التضحيات في سبيل الحفاظ على وظيفة زوجته. ويقول بدر، الذي يبحث حالياً عن وظيفة مناسبة لزوجته: «العمل يفتح آفاق الزوجة على دورها في المجتمع، والتغيرات التي تحدث فيه، ويقلل احتكاكها مع زوجها، وهو ما ينعكس بالطبع على تربيتها لأبنائها، إلا أن الرغبة في إضافة مصدر دخل ثانٍ لأسرتي سيكون بالتأكيد السبب الأقوى لتحملي كل الصعوبات وتقديم التضحيات لو وفقنا في إيجاد وظيفة مناسبة لها». ومثلما كانت الحاجة ولا تزال «أم الاختراع»، فكذلك يمكن اعتبارها «أم التغيير» في المجتمع السعودي. فلم يعد التفكير في مسائل غياب المرأة عن منزلها، أو وسوسة الخشية على «فتنتها» برؤيتها للآخرين أو رؤيتهم لها، تأخذ حيزاً كبيراً في عقول شباب اليوم. و «تقزمت» تلك المعضلات الضخمة المتوهمة، أمام الواقع، أو عادت إلى حجمها الحقيقي الطبيعي، ولم تعد عائقاً أمام وظيفة المرأة إلا في ما ندر، وعند بعض فئات المجتمع الشديدة المحافظة. هذه الحال ليست دلالة على تغير اقتصادي يعيشه السعوديون فحسب، وإنما تقف شاهداً على حتمية التغيير إلى الأنفع، ونبذ القيود الخرافية المكبلة للمرأة بالتقاليد البالية أو التأويلات المتشددة، قد تنسحب كذلك على المشكلات التي تعيشها المرأة في السعودية اليوم، وأبرزها قيادة السيارة التي وضعت الحكومة قرارها في يد المجتمع. فيعود بالإمكان القول بثقة إن أمر مشاركة المرأة في المجتمع وحقوقها في «قبضة الحاجة» والقليل من الوقت. وستنبذ الظروف الإنسانية كل ما يعوق عودتها إلى طبيعتها، وتتكسر كل القيود الوهمية أمام متطلبات الواقع، ولن تستسلم المعارضة فحسب، بل ستتحول إلى التأييد والإيمان، بقوة ما تمنحه لها عودة الأمور إلى طبيعتها من مكاسب.