على رغم اتصالات متقطعة بين إيران وحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، إلا أن الفتور ظل العنوان الأبرز للعلاقة منذ العام 2011 بسبب التباين إزاء قضايا المنطقة، وخصوصاً الموقف من الأزمة السورية، ومساندة حماس خيار الشعب السوري، وهو ما أثار امتعاض طهران. لكن توجّهات مشتركة برزت أخيراً، تؤشر إلى رغبة الطرفين في تجاوز الخلافات وفتح صفحة جديدة، وكان بارزاً هنا توقيع الطرفين اتفاقاً مبدئياً في لبنان يقضي باستئناف الدعم المالي الإيراني ل «حماس» فضلاً عن الاتفاق على عودة العلاقات وتطويرها. وتعود العلاقة بين إيران وحركة «حماس» إلى تسعينات القرن الماضي، عندما شارك وفد منها في مؤتمر لدعم الانتفاضة في طهران في تشرين الثاني (نوفمبر) 1990. كما كان «حزب الله» أحد مفاتيح التقارب بعد إبعاد عدد كبير من قادة «حماس» إلى لبنان أواخر العام 1992. وتصاعد منحنى العلاقة بين طهران و «حماس» على خلفية فوز الحركة بالانتخابات التشريعية في 25 كانون الثاني (يناير) 2006، ومثل رفض واشنطن وإسرائيل والاتحاد الأوروبي نتائج الانتخابات، إضافة إلى غريم «حماس» السياسي «حركة فتح»، مدخلاً آخر لتوثيق عرى التفاهم مع طهران. لكن عوامل عدة أدت لاحقاً إلى تراجع العلاقة بين طهران وحركة «حماس»، منها تداعيات فعاليات «الربيع العربي»، وتصاعد الخلاف عشية الثورة السورية بعد رفض «حماس» دعم نظام الأسد، وخروج قادتها من دمشق مطلع العام 2012. وسمح الصعود الموقت لتيارات الإسلام السياسي، لا سيما جماعة الإخوان المسلمين، بإتاحة مجالات أوسع لنشاط «حماس» وتحالفاتها الإقليمية بدلاً من قصرها على إيران. وبينما توترت العلاقة بين «حماس» ومصر بعد عزل الرئيس محمد مرسي، كانت طهران تبدي حرصاً على عدم إغضاب مصر أو توتير العلاقة معها، خصوصاً أن موقف القاهرة مما يجري في سورية يتقاطع مع ما تطرحه إيران من حلول للأزمة. لكن مرحلة التوتر بين «حماس» وطهران في طريقها إلى التهدئة هذه الأيام والعودة إلى ما كانت عليه قبل2011، وثمة اعتبارات باتت ترشّح التلاقي مجدداً، أولها سعي إيران إلى استمالة حركة حماس السنية إلى جانبها في أزمتها مع دول الخليج، حيث تحاول إيران عملياً توسيع نفوذها داخل الدوائر الجغرافية التي تمثل عمقاً استراتيجياً للخليج، ومنها سورية واليمن والعراق. كما تهدف إيران إلى استثمار حركة «حماس» في مواجهتها مع واشنطن بعد اتهام الرئيس الأميركي دونالد ترامب طهران بإذكاء الطائفية ودعوته إلى محاصرتها. كما استغلت إيران التغيُّرات الداخلية في البنية التنظيمية للحركة في أيار (مايو) الماضي، وقدوم إسماعيل هنية على رأس المكتب السياسي، ورحيل خالد مشغل بما مثله من إجماع وكاريزما طوال فترة قيادته. لذا لم تتردد إيران في تهنئة يحيى السنور قائد الحركة الجديد في غزة، وإسماعيل هنية عشية فوزه برئاسة الحركة على لسان وزير خارجيتها، كما أرسل قاسم سليماني قائد فيلق القدس (الجناح العسكري للحرس الثوري) رسالة أخرى قال فيها «نتطلع لتعزيز التكامل مع رفاق حماس حلفاء المحور المقاوم لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية»، فضلاً عن تهنئة لاريجاني رئيس مجلس الشورى هنية نهاية أيار (مايو) 2017. وتتعزز فرص التقارب أيضاً في إطار ضغط كتائب القسام الجناح العسكري ل «حماس» من أجل توثيق العلاقة مع طهران صاحبة الفضل في تسليح الكتائب وجهوزية عناصرها، حتى أن إيران خصصت منذ نيسان (أبريل) 2015 ميزانية سنوية لدعم القسام على رغم خلافاتها السياسية مع «حماس». وراء ما سبق، فإن تنازل إيران عن شرطها على «حماس» لضمان تسيير الدعم المالي، بأن تعلن الحركة موقفاً مؤيداً لطهران في خلافها مع السعودية، رفع الحرج عن قادة الحركة، لا سيما أن «حماس» تبقى في حاجة ماسة إلى الدائرة الخليجية، خصوصاً السعودية. وفيما يبدو الأمر فرصة لتعظيم التقارب الإيراني مع «حماس»، ثمة معوّقات أمام تحقيق انطلاقة سريعة لهذا التقارب، أولها وجود تيارات داخل «حماس» غير راضية عن تقارب كبير مع إيران، وفي الصدارة منها جناح موسى أبو مرزوق، الذي اتهم إيران بالكذب في ما يخص دعم المقاومة. وثانيها تعارض توجهات إيران في المنطقة مع قطاع واسع من دول الإقليم القريبة من «حماس»، إذ تسعى طهران إلى تقسيم المنطقة على مذبح الطائفية. كما أن قيادة الحركة الجديدة على رغم حرصها على التقارب مع إيران لا ترغب في استفزاز أي طرف، وتسعى إلى النأي بنفسها عن الاشتباك السياسي والعسكري في المنطقة.