واضح أن حماس تعيش تخبطاً في داخلها وتعاني من التدخلات الخارجية، وهناك أطراف لها مصالح حاولت تكريس الخلاف مع فتح ومحاولة التفرد بالقرارات وإثارة استفزاز الآخرين.. خرج علينا القيادي في حركة حماس محمود الزهار بتصريحات من العيار الثقيل حيث هاجم قيادة الحركة، مؤكداً أن إيران هي "السند الحقيقي للفلسطينيين، والتي تمدهم بالمال والسلاح، لمقاومة العدو الإسرائيلي". وأضاف "أن الوجود الإيراني في سورية مهم لضمان التوازن في المنطقة"، وأن "ما يُشاع عن ارتكاب مجازر في حلب، تمثيليات من الغرب من أجل إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد". والأكثر غرابة أن الزهار أيضا اتهم الحركة بخيانة النظام السوري قائلاً: "نحن لا ننسى ما قدمته لنا سورية من مساعدات، ولطالما كانت سورية حاضنةً لحركة حماس، والمقاومة الفلسطينية، ولكننا غدرناها، ووجهنا لها طعنةً في الظهر، بما أن من كان يملك القرار في الحركة، يسير وفق أجندات خارجية". الحقيقة أن الأمر لا يحتاج لبذل جهد أو عناء لمن يريد أن يقوم بإحداث فرقعة إعلامية ويمارس انتهازية فاضحة متاجرا بقضية وطنه لتحقيق أهداف مشبوهة أو حتى استغلالها في تصفية حسابات. تصريحات الزهار لا تخرج عن هذا التكييف والتي جاءت عقب انتخاب يحيى السنوار قائدا للحركة في قطاع غزة خلفا لإسماعيل هنية الذي يُرجح أن يحل مكان مشعل كرئيس للمكتب السياسي الجديد لحماس. هناك مرشح مهم آخر وإن كانت حظوظه أقل هو موسى أبو مرزوق، النائب الثاني لمشعل. فوز هنية برئاسة المكتب السياسي لحركة حماس يعني تقاربا أكثر مع إيران في حين أن علاقة منافسه موسى أبو مرزوق بالنظام الإيراني سيئة. ومع ذلك علينا أن نتذكر وفي هذا السياق ما قاله خالد مشعل قبل عام من أن هناك "حالة من الجمود في العلاقة مع إيران مؤكدا أنها لم تصل إلى حالة القطيعة الكاملة، فالتواصل معها مستمر عبر إرسال وفود لطهران بين وقت لآخر". طبعا في حال تولي هنية موقعه الجديد فإن صناعة القرار السياسي للحركة ستنتقل من الدوحة إلى قطاع غزة. هناك من يرى أن تشهد حركة حماس في ضوء اختيار السنوار، تحولا في سياساتها الداخلية والخارجية على حد سواء، لكن ما يخشاه الكثيرون هو في عودة الهرولة مجددا صوب حلف إيران، باعتبارها الداعم الرئيسي لكتائب عز الدين القسام. هذه الكتائب كما يرى البعض إمكانية ترويضها وتدجينها مرة أخرى وبشكل مختلف بما يساهم في تحقيق أهداف نظام ولاية الفقيه كما يفعل حزب الله في لبنان والحوثي في اليمن. واضح أن حماس تعيش تخبطا في داخلها وتعاني من التدخلات الخارجية وهناك أطراف لها مصالح حاولت تكريس الخلاف مع فتح ومحاولة التفرد بالقرارات وإثارة استفزاز الآخرين بدليل ما يقوله الزهار على سبيل المثال من أن "طهران وحدها من تتولى دعم الحركات الفلسطينية، فيما باقي العالم الإسلامي الذي يشكل ثلث سكان العالم لا يقدم شيئا". قد لا نستغرب من توجهات الزهار المعروف بولائه لنظام الملالي وله أن يقول ما يشاء منحازا ومطبلا لأسياده ولكن ليس من حقه أن يغمط حق الدول العربية التي دعمت القضية وشعب فلسطين من أجل إعادة الحيوية لعلاقة حركته حماس بدمشق وطهران. هذه الأقاويل للزهار يريد بها نكْء الجروح وفتح باب المزايدات والمتاجرة بقضية العرب المصيرية إن أردنا الصراحة فالرجل يعاني فعلا من عقد نفسية وانفصام داخلي فضلا عن ضعف في الذاكرة. حكومة حماس معنية اليوم أكثر من أي وقت مضى، بإعادة التفكير في طبيعة السلطة وممارستها فضلا عن ضرورة مراجعتها لطروحاتها وأن ترتقي لمستوى المسؤولية الوطنية مرتهنة للعقلانية لأن ساحة العمل السياسي لها منطقها الذي تفرضه على أي قوة سياسية. على حماس إن أرادت تصويب مسارها إعادة فرز من ينتمي إليها وفيمن يستغل موقعيتها وإدراك تبعات قراراتها على السلم الأهلي وزخم القضية في المحافل الدولية ما يعني ضرورة ممارسة واعية تغلب المصالح العليا للشعب الفلسطيني.