أكد نائب رئيس تحرير صحيفة «الرياض» والكاتب اليومي يوسف الكويليت أن المجتمع السعودي أصبح يحتاج إلى المرأة أكثر من أي وقت مضى وأنه يحتاج إليها في مجالات التنمية والوظائف ولعب الأدوار المختلفة التي هي حق لها من دون منّة من أحد. وأضاف في حوار مع «الحياة» أن حاجز التقاليد والعرف أوشك على أن ينكسر بقوة التطور الذي حصل ومناضلتها هي، لأخذ الفرصة الكاملة، معتبراً أنها كانت تعيش في الماضي في «حبس» مستمر وأنه ضد إلى أن تصل المرأة في المملكة إلى حدود التفسخ أو التمرد على قوانين العائلة أو الأخلاق العامة». ولفت الكويليت إلى أن ثورة التكنولوجيا أعطى مساحة جيدة لحرية الكتابة والنشر في المملكة وأن الدولة أعطت الحق لأصحاب الرأي حق وقول وكتابة ما يريدون وفق ضوابط الموضوعية لا تخل بالأمن الوطني وتكون سبباً في خلق الفوضى. ورفض الكاتب يوسف الكويليت مقارنة هيئة الصحافيين السعوديين بهيئات عربية أخرى، معتبراً ذلك «مقارنة متعسفة» وأن من الواجب أن يعرف جميع الصحافيين إمكاناتها وتقويمها على ضوء ذلك قبل إطلاق الأحكام غير المسؤولة. إلى نص الحوار: البداية لجيلكم.. هل منحتكم صلابة لم تتح للأجيال بعدكم؟ - جيلنا جاء وسط أمية شبه مطلقة، وقد نشأنا من دون أساتذة يؤسسون لمراحل فكرية وثقافية تتميز بتراكم المعارف، فكان التحدي كيف تضع نفسك في هذا المجتمع، وكيف تخطو وتؤسس بجهودك الذاتية، نموذجك الخاص، وقد كان المجتمع العربي، في تلك المرحلة، يعيد صياغة نفسه بتشكيلات تنتمي إلى تحرير الوطن. وبسبب ذلك كانت الانقسامات بين الأحزاب أقرب إلى الفوضى والطفولة المبكرة عندما تصارع اليمين مع اليسار لتحدث البلبلة التي قادت للانقلابات والتأميم والمناوشات بين الدول ممن تصنف نفسها على اليسار وتتهم اليمين بأنه بقايا الفكر الغربي، وبالتأكيد فإن المؤثرات علينا، جاءت من طبيعة المرحلة والتي أكسبتنا البدايات الثقافية والاعتماد على النفس ومواجهة الأحداث بروح التحدي، ولا أعتقد بأن الأجيال التي جاءت بعدنا لا تملك الصلابة، فكل زمن له ظروفه وحياته. كيف كانت بدايتك مع الصحافة؟ - بدأت في سن مبكرة قراءة كل كتاب أو مجلة، أو صحيفة أحصل عليها، ساعدنا في ذلك من قدموا من الدول العربية معلمين في مدارسنا، وكانوا على تأهيل عالٍ، أو نخبة مميزة، وكان تأثيرهم، إلى جانب الرغبة في أن أكون مثقفاً الخطوات الأولى للتفكير في الكتابة. وقد كنت أعمل في البريد ومن باب المحاولة كتبت مقالاً بعنوان «الوقت يصنع الحياة» ووضعته في صندوق صحيفة القصيم، لكنني عدت لسحبه من الصندوق خشية أن يأتي الرد المعتاد لكل مبتدئ أن عليك تنمية قراءاتك والتوسع بها، لكني فوجئت بأن بريد الصحيفة قد سحب، وعشت انتظاراً قلقاً، ولا سيما أنني كنت في سن مبكرة، وفي مراحل الدراسة لمتوسطة، وفي الموعد المحدد لصدور الصحيفة وجدت المقال في الصفحة الأولى مع كتاب كبار سبقوني في النشر والثقافة. فرص الصحافة وهل اختلفت فرص الصحافة في وقتكم إلى ما هو عليه الآن؟ - قطعاً، فقد نشأنا هواة مع نشأة صحافة الأفراد التي لا تهتم بالخبر، بل بالمقالة التي لا تتعدى المطالبات العامة في إنشاء خط، أو فتح مدرسة، أو نقد لمصلحة أو عادات وتقاليد، لكنها - على رغم بساطتها - كانت تعبّر عن صدق الكاتب، ولم يكن هناك مكافآت أو جوائز، إنما منحك فرصة الظهور وطرح الآراء، ثم إن تلك الصحف ضعيفة الإمكانات. فالإعلان حكومي وبسيط، والمعونات من الدولة معدومة وترتب على ذلك أن الصحيفة عبء على صاحبها، لأنه لا يحقق أي مكاسب، حتى إن أي مخالفة لرأي أو اتجاه يستدعي قفلها والتحقيق مع صاحبها إن لم يدخل المتسبب في السجن. أما الآن فالفرص مختلفة، تأهيل جامعي وتفرغ تام ومكافآت ورواتب مجزية، لأن الصحافة ذاتها أخذت شكل الصحافة المعاصرة ومضمونها بتقنياتها وتطورها، وهذا ما جلب الموارد لها سواء من خلال الإعلانات أم المداخل الأخرى، وصارت تظهر موازنات سنوية تقدر بمئات الملايين، وهو ما أعطى الصحافة أن تطور نفسها من خلال كوادر مميزة. نظرية المحور والأطراف. هل لا تزال على السطح؟ - كل قوة قائمة مؤثرة في الشأن العالمي لا بد من أن تكون محوراً يستقطب مختلف القوى، وقد ظلت أميركا الدولة أحادية الجانب بقطبيها بعد زوال الاتحاد السوفياتي، أما الآن فقد أصبح الاتحاد الأوروبي قطباً، يضاف له الصين، والهند والبرازيل، القادمة بقوة أن تكون دولاً لاعبة ليس في محيطها، وإنما على الدائرة الأكبر في العالم، وهي حركة التاريخ بزوال إمبراطوريات وحلول أخرى، ويبقى العالم الثالث وحتى الثاني أطراف اللعبة في الشؤون السياسية مثل التحالفات أو الاحتياجات الأمنية والاقتصادية التي تفرضها مراكز القوى على الأطراف. التنوع الثقافي في حائل التي نشأت فيها.. من عطل تنامي آلياته؟ - الثقافة لا تتمركز في حيز جغرافي معين، وأنا من المؤمنين بأن لا خصوصية لمدينة عن أخرى، ومع أن بدايات قراءاتي نشأت في حائل، إلا أن الرياض هي التي كوّنت ثقافتي الراهنة، باعتبار المدن الكبرى، هي مركز تجمع آليات الثقافة سواء بجامعاتها أو دوائرها المختلفة، والتي عادة ما تكون جاذبة لأي مهارة أو تأهيل معين بحكم أنها مركز الثقل لأي مثقف. صحيح أن في حائل نشأ مثقفون وكتّاب بعضهم لا يزالون مقيمين بها، لكن من يعيشون خارجها هم الأكثرية، لأسباب معيشية وظروف كل شخص تدفعه الهجرة من مدينته، وهي من الأمور المتعارف عليها باستقطاب المدن الكبرى، كل كفاءة تصدرها المدينة الأصغر، أو القرية. الشمال والفرص مشاهد التنمية.. هل مازالت مغيبة عن منطقة الشمال؟ - هذا غير صحيح، فهناك شبكات طرق تربطها مع بعضها، ومطارات وجامعات ومدارس، ومدن صناعية، وهي الآن سوف ترتبط بسكك حديدية للركاب وجلب المعادن المختلفة منها لمراكز التصنيع والتصدير، وهي تحظى - كشأن القطاعات الوطنية الأخرى - بحركة اقتصادية نشطة، ولا تزال هناك مشاريع في خطط الدولة في المستقبل سوف تشملها. منطقة الشمال خرّجت كفاءات صحافية مميزة.. متى ستصدر صحيفة على أرضها؟ - أولاً مسألة إنشاء صحيفة ليست من الأمور السهلة عندما تفتقد الإمكانات المادية وسوق للإعلان والتوزيع، وكوادر برواتب مميزة، وحين نرى بعض الصحف في المدن الكبرى ، وهي تعاني خسائر مادية، وانتشار قليل، وتبحث عن إعانات من الدولة، فإن صحف المناطق لا يتوافر لها ما يجعلها تنجح، وحتى لو حاولت الاقتطاع من حصة الصحف الكبيرة في المدن سواء بالتوزيع، أم الحصول على الإعلان، فحظوظها ضعيفة، لأنها لا تستطيع دخول سوق المنافسة طالما غيرها، و بالتمركز السكاني نفسه يعيش الرمق الأخير. عندما كنت طالباً.. هل كانت التوجهات والاهتمامات تختلف عما تراه في طلاب اليوم؟ - كل إنسان ابن مرحلته، فنحن عشنا البدايات والإمكانات الضئيلة، أي لا يتوافر في المدرسة المعامل والكتب، والمنشآت الحديثة، لكن كان يتوافر لنا معلمون أكْفاء سواء من تعاقدت معهم الدولة من الدول العربية، أم من تأهلوا داخلياً، فكان الطالب لديه الرغبة والتحدي بأن يتميز في مجتمعه بالحصول على الشهادة التي توصله للوظيفة وتحسين مستواه المادي والعلمي. حالياً اختلفت الظروف أي أن طالب اليوم لا يعاني قلة الغذاء، أو الملابس، لدرجة أن طلبة المتوسطة والثانوية ومعظم الطلبة يملكون سيارات أياً كان مستواها، كذلك الأمر في استخدام وسائل التقنية الحديثة، لكن المشكل في الطالب أنه من دون حوافز مما أثر في جديته في التحصيل، وهي مشكلة تتعلق بأكثر من سبب لا أستطيع أن أشرحها بكامل تداعياتها. مكوثُك في صحيفة «الرياض».. هل هو للعشرة. أم بسبب أنه لا شيء أفضل منها؟ - بناء صداقات وعلاقات على الثقة المتبادلة ليس من الأمور السهلة، وصحيفة «الرياض» منحتني الكثير وبادلتها بالواجبات نفسها ، وعملياً فقد حصلت على الحرية كاملة في اختيار المواضيع من دون رقابة أو توجيه، ولعل ما يسود داخل المؤسسة من تعامل إيجابي ونقد صريح لأي خلل، وإعطاء حرية القول لأي شخص بمعزل عن أهمية وظيفته، هو الذي أسس أسرة صحيحة تقوم بواجباتها من دون ضغوط، وصحيفة «الرياض» - وهذا ليس مجاملة - استطاعت أن ترقى بعملها وتحظى بشهادات تقدير عدة، وهذا يغري أي عامل أن يبقى على علاقة دائمة بها. ألا تخشون على الصحيفة فيما لو رحل تركي السديري ؟ - الزميل تركي السديري أنشأ مؤسسة كبيرة، تعمل بحرية، وكل يعرف واجبه وما هو مطلوب منه، وأعتقد بأن هذا النجاح سيبقى مستمراً، ولو أن تركي له رصيد كبير للصحيفة بحضوره الإداري والثقافي، ودوره ليس على مستوى المملكة بل الخليج والمنطقة العربية، وفي حال ترك لأي سبب فإن تعويضه ليس سهلاً، وهي حقيقة لا مراء فيها، ومن خلال معايشة طويلة، كزملاء وأصدقاء، أعتقد بأن من النادر أن تجد شخصاً يواجه المواقف بشجاعته وحماية مكتسبات جريدته، وهو ما ميزه ووضعه على سلم الأوائل في الصحف الأخرى. هل سبق أن أعيدت لك كتابة الافتتاحية؟ - تحدث في أحوال أنني كتبت كلمة «الرياض» عن موضوع، ويستجد حدث يتطلب التبديل، فأضطر لكتابة أخرى، وترحيل الأولى ليوم آخر، أما أن تعاد بعدم صلاحيتها للنشر فلم يحدث، وهذا لا يعني أنها تتفق ولا تخالف رأي الصحيفة، وإنما تبنى التقديرات على الأهداف، ومن خلال التجربة الطويلة التي عايشت الكتابة في هذا المكان، عرفت كيف تكون موضوعياً، وغير استفزازي، أو تطغى عاطفتك الشخصية على جوهر الموضوع. المنافسة بين صحيفة «الرياض»، و»الجزيرة».. هل انتهت؟ - كل صحيفة تسعى لأن تكون في دائرة المنافسة، وهذا حق طبيعي ليس بين الصحف فقط، بل بين أصحاب المعارف والثقافات والتجارة وغيرها، وأن يحدث تنافس بين الصحيفتين، فهو أمر طبيعي، غير أن لكل صحيفة قراءَها، والمعلنين بها، والمتابعين لآرائها، وصحيفة «الرياض» يصدق حكم تفوقها من عدمه، حجم النشر ودور القارئ المحايد. كلمة الرياض كتابة «كلمة الرياض».. هل أصبحت لك عادة، أم عبادة؟ - ليست عادة ولا عبادة، هي واجب جعلني أحترف وأفرّغ نفسي لها، والمعاناة كبيرة في انتقاء المواضيع واختيار الكلمات بحيث لا يتكرر على القارئ قاموس معين، ثم إنها حمل كبير أشعر بأنني إذا لم يكن القارئ على رضا منها، فإن النتيجة يجب أن تغير من خططك وأطروحاتك، وإلا ستبقى في الظل. ما الصحيفة التي تخشى من افتتاحيتها؟ - ليس الأمر مسابقة في كرة القدم من يصل الباب يكون فائزاً، كل إنسان يكتب في هذا الحقل تميزه وعطاءاته، ولا أعتقد بأن أحداً يخشى الآخر إذا كانت الأهداف واحدة واتجاه الكتّاب والصحافيين واحداً، ولكل كاتب نهجه الخاص وتحليله للقضايا ويقاس النجاح على ما تحدثه في الرأي العام سواء كان مراقباً وقارئاً، وطنياً، أو جهة خارجية ترصد وتحلل وتقيس الأفكار من خلال مضامينها وليس العكس. تكتب منذ (29) عاماً الافتتاحية ولم توقف حتى الآن.. هل لأنك تعرف حدود الكتابة أم هناك سبب آخر؟ - من الطبيعي أن يكون الكاتب يجري خلف الحقيقة، ولا يتنازل عن رأيه لأي سبب، لكن كيف تعالج القضايا وتدرس ردود الأفعال عليها، بأن تدرك ألا تكون معاكساً أو صدامياً أو نفعياً، تخسر موقفك، وأنا أحاول قدر الإمكان، أن أبتعد عن الشخصانية وأذهب إلى صلب الموضوع من دون انفعال، وربما كان سبب عدم إيقافها، أنها تراعي كل الأسباب وحساسية كل موقف، وقد يكون هناك من يخالفني الرأي حتى من صانعي القرار، لكن عندما نعرف أن الهدف واحد تزول الشكوك. برأيك.. هل الصحف الورقية ستنتهي؟ - عامل الزمن وزحف التقنية ووصولها لكل شخص يؤكد ذلك، غير أن المسافة في مجتمعات العالم الثالث قد تؤخر النهاية غير السعيدة للصحف الورقية، لأن من يستعملون الحواسيب نسبة متدنية لكثرة مجاميع الأميين فيها، وهذا يجعل الصحف الراهنة مستمرة لهذا العدد الذي لا يستطيع أن يستغني عنها، وصحيفة «الرياض» وضعت في خططها هذه الاحتمالات وتعمل على جعل موقعها، في المستقبل، صحيفة تقنية. المرأة السعودية المرأة السعودية.. هل أخذت فرصتها في المجتمع؟ - هي تناضل بأخذ هذه الفرصة، ومن المستحيل وضعها في الخانة الثانية من مجتمع يحتاج إليها في مجالات التنمية والوظائف والأدوار المختلفة التي هي حق لها من دون منّة من أحد، أما أن تكون التقاليد تفرض حرمانها من حق طبيعي، فأعتقد بأن هذا الحاجز سينكسر بفعل حقيقة التطور، ولا يستطيع الرجل أن يقدم الرخصة لها بما تريد إذا كانت لا تعارض الثوابت الدينية، والاجتماعية، وإذا كانت في كامل الأهلية والتأهيل. ولكن وضعها أصبح أفضل؟ - نعم قياساً بالماضي عندما كانت أمية تعيش في حبسها المستمر، غير أن الأمور تبدلت فمن المستحيل أن تفتح لها المدارس والجامعات، من دون إطلاق طاقاتها ووضعها في قلب العملية التكاملية بين الرجل والمرأة، وأنا هنا لست مع من يعتقد بأن أي خروج لها للعمل يفترض الشكوك بأنها بلا إرادة، وإلا تتحمل الأسرة ومراكز التعليم والمجتمع وِزْر هذا الخلل، ثم إنه إذا كان لا توجد حصانة لبعض الرجال من الممارسات الخاطئة فلا يجوز تعميمها على كل امرأة، وأنا ضد أن تصل إلى حدود التفسخ أو التمرد على قوانين العائلة والأخلاق العامة. قسوة المجتمع على المرأة.. هل تؤثر في سلامة أفكار أبنائه؟ - المرأة هي الأقرب لأبنائها فترة الحضانة والبدايات الأولى للدراسة، وما لم تكن أماً تتمتع بحق الزوجية، وبقبول التضحية من شريكي الواجب، فإن أي خلل يحدث ينعكس سلباً على الأبناء، وجانب التضحية عند المرأة أكثر من الرجل، وهذا ليس انحيازاً لها، لكنها الطبيعة التي خلقها الله بها، وإذا كان المجتمع سبباً في قمعها وفرض التعسف عليها، فإننا لن نبني أجيالاً يواجهون حياتهم، فالصحة النفسية للعائلة، هي شفاء للوطن، والمجتمع. على رغم إيجابيتك عن المرأة، إلا أنك لم تكتب عنها أو تناصرها؟ - أعتقد بأنك لو رجعت إلى ما كتب سواء بصفحتي الأسبوعية في هذه الصحيفة سابقاً، أم ما أكتبه في كلمتها، أو الآراء التي أدلي بها لوسائل الإعلام، لوجدت الكثير مما كتبته وقد تعرضت للوم من المتشددين ممن يرون المرأة مجرد ظلاً للرجل، وليس لدي تحفظ أو خوف من الكتابة في هذه المواضيع طالما الواجب يفرض عليّ ذلك. كرسي الحكم في الدولة. وكرسي الحكم في الصحف.. ما الفرق بينهما؟ - من غير المنطقي وضع الكرسيين على مسافة واحدة، فالدولة صانعة قرار ومهماتها وواجباتها كبيرة لا تقتصر على مدن أو أفراد، بل هي إدارة حكم بكل مفاعيله المختلفة، وكرسي الحكم سواء اعتسفتْه فئة ما عسكرية أم حزبية، فهو سباق بين الطامعين فيه، ويختلف عن حكومات مركزية لها تقاليدها وسلاسة انتقال الحكم بها. أما كرسي الصحافة، فهو وظيفة، ولو تغير لا يعني انقلاب الأشياء، وكثيراً ما حدثت. فمجيء أو ذهاب أصحاب الكراسي الصحافية من دون مؤثرات تستدعي أن ينقلب الرأي العام بسببها أو تأثيرها. هيئة الصحافيين هيئة الصحافيين أليس بالإمكان أفضل مما هو كائن الآن؟ - لست مخولاً للدفاع عن أحد، لكن هيئة تستجدي المساعدات والمعونات، وفي بداياتها الأولى، ثم تقارن بهيئات عربية عريقة كسبت حضورها وهيبتها، مقارنة متعسفة، فهي تقوم بواجباتها على قدر صلاحياتها في الدفاع عن حقوق الصحافيين، لكنها لا تستطيع منع إجراءات حكومية ترى هذا من حقها، وحتى ما قيل عن قصورها في تلبية مطالب الصحافيين بالحصول على أراضٍ ومساكنَ وتخفيضات بشركات الطيران والفنادق وغيرها، أظننا نعاكس الواقع، ومن الواجب فهم إمكانات الهيئة وتقويمها على ضوء ذلك قبل إطلاق الأحكام غير المسؤولة. عندما يوقف صحافي بسبب قلمه.. هل يعد ذلك تميزاً له؟ - أنا ضد أن يصادر أي رأي أو يعاقب عليه الكاتب، لكنْ هناك حدود تراعي المنطق والموضوعية، وحتى في البلدان المتحضرة والديموقراطية، هناك سقف للحرية، إذ إن أي موضوع يعرّض الأمن القومي أو يشهّر أو يقدح بشخص أو مؤسسة من دون مستند حقيقي يتعرض للملاحقة، وقد ظل الكاتب العربي ملاحقاً في مصادرة رأيه، وهناك سلطات تمنع وتسجن على الظن ومن دون أن تدري فقد خلقت من الكتاب أبطالاً وشهداء حرية، وهي مكافأة لا تتوازى مع الموضوع وكاتبه، ولا يمكن أن يحارب الرأي إلا بما يوازيه، وهي قاعدة عامة معمول بها ضمن القيم المتحضرة، وتطورها الثقافي. هناك من يرى أن الخطوط الحمراء في الصحافة السعودية قد اختفت، وأن هناك قضايا يتم التطرق إليها، حالياً، كان النقاش فيها محرماً في السابق؟ - مع ثورة التكنولوجيا وانتهاء المسافات بين دول العالم، وانتشار النشر أياً كان هدفه، أعطى مساحة جيدة لحرية الكتابة والنشر في المملكة، وأعتقد بأن التغير جاء متطابقاً مع الأهداف، لأنه إذا كان غيرنا هو من يكشف عيوبنا، فمن حقنا نحن معالجتها، وهذا منطق إيجابي قدّرته الدولة، وأعطى لأصحاب الرأي حق قول وكتابة ما يريدون وفق ضوابط موضوعية لا تخل بالأمن الوطني، وتكون سبباً في خلق فوضى لأغراض شخصية، أو دوافع خارجية. تعمقك في الشأن السياسي المحلي والدولي.. ألا يجعلك في هم دائم؟ - من دون هموم لا تستطيع أن تكتب، لأن الهم حافز أساسي لمن يتعاطى أي شأن سياسي، طالما تبنى السياسة وفق مصالحها وتتغير وفق طبيعة المكاسب حتى في تحليل المحرم، فعلى الكاتب أن يراعي مختلف الظروف والاحتمالات ويقرأ الأشياء من أعماقها لا هوامشها. نحن نملك أكبر القنوات الإعلامية في المنطقة، لكن لا نملك التأثير.. لماذا؟ - الطابع التجاري هو هدف هذه القنوات، أي أن معظمها يعتمد الإثارة بمختلف الأساليب، وتسير على تقليد القنوات العالمية الأخرى، لكن لا يمكن غمط حق بعضها بتوظيف رأي المملكة وإشاعته ووضعه وفق إعلام محترف وجيد. قناة «الجزيرة».. هل هي أداة سياسية - أم إعلامية؟ - هناك خلط بين الاثنين، وبصرف النظر عن رضاك من عدمه عنها، فهي فتحت أبواباً مغلقة وكسرت المحرم العربي، لكنها حاولت أن تكون فوق المساءلة طالماً تتخذ الرأي الحر مبدأً، وهذا في عموميته ليس صحيحاً، فهناك من رآها أداة تخدم سياسات أجنبية موجهة للمنطقة وأنها كسبت زخمها بمن تتقوى بهم، ومع احترامي لكل الآراء فهي نافذة وضعت القنوات الأخرى في حرج، إما اتخاذ الخط نفسه أو الانسحاب من المنافسة. لكن هل رفعتْ هذه القناة مستوى الحرية في الإعلام العربي؟ - هي ظاهرة وجوابي على السؤال السابق أظنه يشمل هذا السؤال. الليبرالية السعودية التيار «الليبرالي في السعودية».. هل تراجع إلى الوراء أكثر من السنوات الماضية؟ - أنا لا أحب التقسيمات بالتراجع والتقدم في الرأي الليبرالي، لأن ما حدث هي جملة آراء رابطها الوحيد معارضة السائد في المجتمع، ولا أظنها ترقى لأن تكون تياراً، لأن ذلك يحتاج إلى أدوات وأشخاص ومناخ يعطي لليبرالية دورها، وعموماً هي رحلة فكرية أعطيت أكبر من حجمها. نطالب دوماً بمؤسسات المجتمع المدني، وحين أقرت على الأرض فشلت.. لماذا؟ - أنا أخشى أن نضيع في حشد الشعارات وننسى مفهوم المجتمع المدني ومعناه، فالقضية تحتاج إلى تأسيس ومناخ ووعي، واستجابة من أفراد المجتمع، ومسألة النجاح والفشل هي تطرح أموراً لم تحدث وعندما نضع اللبنة الأولى لهذه المؤسسات، نبدأ نحلل ونتناقش على ضوء المستجدات وليس الأحلام. ما رؤيتك تجاه دور الحوار الوطني؟ - هو في البدايات العصبة، ولكنه اتجاه لطرح قضايانا من دون سواتر أو محرمات، ولن نستبق الأحداث لنضعه في مداره مثلما تفعل دول تطرح أفكارها حتى ما يتعارض مع الناموس الإنساني، ولكنها بداية جيدة لخطوات ربما تكون أفضل في المستقبل. الإسلاميون تسلموا دفة المجتمع لعقود. لو أتيحت الفرصة لليبراليين.. ما الذي سيتغير؟ - كل سيطبق منهجه وأفكاره، وأعتقد بأن نهجاً إصلاحيّاً وسطياً يراعي كل الظروف، هو الطريق الذي يؤدي بنا إلى النجاح، ولا أرى أن أياً من التيارين لا يوجد فيه إيجابيات، وأنا مع خيار التوافق لا التصادم في أي مجتمع. الشأن الرياضي.. هل سرقه منك الهم السياسي؟ - لكل مرحلة تجربتها، وأنا عشت رياضياً كسبت فيها أصدقاء من كل الطبقات لكنها رحلة جيدة في بواكير الشباب، وقطعاً أجدني في الهم السياسي أكثر تفاعلاً، لأنه نافذة على عالم أوسع، ويحتاج إلى مثابرة في متابعة المتغير الكوني ومداخلاته والأساليب التي تبنى عليها السياسات وتحولاتها. نادي الهلال بماذا تدين له؟ - بأجوائه المرحة والمنغصة، وقد عملت معي صحيفة «الجزيرة» لقاء عندما كنت سكرتيراً له فقلت «الهلال قضية، إن فاز، أو تعادل، أو هزم» فكانت عنواناً لكثير من المعلقين والمحبين لهذا النادي العريق. أمنية لك تتمنى أن تكون واقعاً قريباً؟ - أن يوجد جيل أفضل منا في المعارف والعلوم والتحصيل الدراسي بحيث نبني وطناً يذهب للإبحار مع سفينة الدول المتقدمة الأولى، لا شبه النائمة. السوق السعودية أصبحت لا تستوعب وجود صحف جديدة سيرة ذاتية ....