تتعرّض حكومة حزب «العدالة والتنمية» لضغوط شديدة من أحزاب معارضة، ووسائل إعلام بعضها موال لها، من أجل كشف حقيقة ما حدث ليلة محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز (يوليو) الماضي. يأتي ذلك بعدما بدأت إفادات شهود في محاكمات الانقلابيين وآخرين، تعطي انطباعاً بوجود رواية أخرى تختلف عن التي تصرّ الحكومة على طرحها. وفاقم من هذا الانطباع رفض الحكومة طلباً من المعارضة في البرلمان لتشكيل لجنة تقصي حقائق، تكشف الذراع السياسية لجماعة الداعية المعارض فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير المحاولة الفاشلة. ووَرَد في بيان أصدره «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي أن «رفض الحكومة طلبنا، يكشف مَن هي الذراع السياسية لجماعة غولن»، في إشارة إلى حزب «العدالة والتنمية» الحاكم الذي كان أبرز داعم للجماعة في التاريخ الحديث لتركيا، إلى أن دبّ خلاف بين الجماعة والرئيس رجب طيب أردوغان عام 2013. وكشف الجنرال أورهان يكلان، المستشار السابق لرئيس الأركان الجنرال خلوصي أكار، والمتهم بالتورط بالمحاولة الانقلابية، أنه قدّم في شباط (فبراير) 2016 تقارير رسمية لرئيس الأركان ورئيس الوزراء آنذاك أحمد داود أوغلو، في شأن نشاط سري لمحاولة انقلابية، لافتاً إلى أن الحكومة رفضت التعامل مع هذه التقارير، مؤكدةً أن لا «مجال لمحاولات مشابهة». لكن شهادة يكلان تتفق مع شهادة أكار الذي قال للجنة تقصي الحقائق البرلمانية التي تحقق في ما حدث ليلة الانقلاب: «أُبلغنا مبكراً بالمحاولة الانقلابية، وأخذنا التدابير اللازمة لإفشالها، فاضطر الانقلابيون لبدء انقلابهم مبكراً. لكن محاولتهم وُلدت ميتة بسبب التدابير المُتخذة». وأثارت هاتان الشهادتان ردود فعل مستهجنة من المعارضة وبعض صحف الموالاة، إذ تعنيان أن الحكومة كانت تدرك وجود محاولات انقلابية واتخذت تدابيرها مسبقاً ووضعت خططاً للتصدي لها. وفُعِلت هذه التدابير ليلة 15 تموز لإحباط المحاولة الانقلابية. لكن التساؤل قائم عن سبب إرسال أكار جنوداً لحماية جسر إسطنبول من محاولة انقلابية، وهذا تدبير ليس له أي معنى في التصدي للانقلاب. كما أن شهادة رئيس الأركان تعني عملياً أن رسالة أردوغان لمواطنيه للنزول إلى الشارع وتوجّهه جواً إلى إسطنبول، حدثا بعد إفشال الانقلاب ووأده في مهده، كما يقول أكار. وسأل معارضون: «كيف يأمر رئيس الأركان قوات جيشه بالنزول إلى الشارع، ويأمر الرئيس الشعب بالنزول إلى الشارع للتصدي للجيش، فيما يقول رئيس الأركان إن المحاولة الانقلابية وُلدت ميتة؟». كما أن اعتراف أكار بأنه عَلِم مبكراً بالمخطط الانقلابي، وامتناعه عن إبلاغ أردوغان، وعدم إخطاره قيادات الجيش بالأمر، وطلبه اجتماعاً عاجلاً لهم، يشير إلى أن المحاولة الانقلابية كانت محدودة. ويجري التحقق في المحكمة، من خلال التحقيق مع المتهمين، في الجهة التي أمرت بخطف أردوغان وقصف البرلمان والذهاب إلى مبنى التلفزيون الرسمي لإذاعة بيان الانقلاب. ويصرّ المتهمون على أنهم أخذوا هذه التعليمات من قيادتهم المباشرة، والتي تؤكد أنها كانت تعمل وفق تعليمات من رئاسة الأركان، لمحاربة مخطط إرهابي مجهول.