لم يكن العالِم الأميركي إريك دريكسلر أول من فكّر في صناعة تكون على مستوى الذرة، ومقياس الأشياء فيها هو نانومتر، أي واحداً على ألف من المليون من المتر. ترجع الفكرة إلى عالِم الرياضيات الفذ جون فون فيينمان، مبتكر علم الحياة الاصطناعيّة، الذي ألقى في العام 1959 خطاباً ذائع الصيت ضمّنَهُ القول بإمكان بناء الأشياء بواسطة رصف ذراتها الواحدة إلى جانب الأخرى، شريطة أن تكون في نسق ملائم لما يراد التوصّل إلى صناعته. وإذ تعوّد فيينمان تقديم مفاهيم العلم في أساليب اللعب والدعابة، قدّم سيناريو عن مباريات تقنية بين الثانويات العليا في الولاياتالمتحدة. وقال: «ترسل ثانوية لوس أنجلوس إلى ثانوية فاينيس إبرة كتب على رأسها عبارة: «ما رأيكم في هذا»؟ ثم تتلقى ثانوية لوس أنجلوس الإبرة نفسها بعد أيام لتكتشف أنّ الردّ نقش في النقطة فوق حرف «ذ» مفاده: «ليس اكتشافاً مثيراً»! إذاً، لا يدور الحديث على مجرد أوهام، بل ينبغي القول إن نانوتكنولوجيا باتت ثورة صناعيّة شاملة. وبات مسلّماً بأنها ثورة علميّة للقرن ال21 تؤدي إلى تغيير شامل، على غرار ما أدى ظهور محركات البخار إلى الثورة الصناعيّة! ويمكن وصف صناعة النانو بأنها إنتاج السلع والمواد انطلاقاً من مكوّنات أوليّة رخيصة وشائعة، تشمل النفايات. إنها أفق يجعل من إعادة التدوير Recycling إنتاجاً وسلعاً، بل ربما غيّر جذريّاً العلاقة بين الدول الصناعية المتقدّمة والبلدان المعتمدة على إنتاج مواد خام. من الناحية النظرية، من شأن النانوتكنولوجيا أن تخفض تكلفة طائرة من نوع «جامبو جيت» إلى سعر سيّارة، وتطلق «مصانع» منزليّة في حجم فرن «مايكرووايف»، كما تنتج أجهزة تلفزيون وكومبيوتر وفيديو انطلاقاً من أكوام قمامة. وكذلك تستطيع الآلات التي فكّر بها دريكسلر أن تعمل على بضع نُثَر من اللحم لتنسج على منوالها شرائح لحم تكفي لإطعام عائلة! في السياق عينه، من المستطاع إنتاج روبوت في حجم بكتيريا، يدخل جسم الإنسان ويجدّد الأنسجة التالفة، ويصلح ما خرّبه التقدّم في العمر أو الإصابة بمرض مزمن، ويحارب الفيروسات والبكتيريا التي تسبّب الأمراض، ويقتلع الأورام السرطانية، والقائمة طويلة. وربما ترسل جحافل من مركبات نانويّة ذكيّة إلى الأوزون لتصلح الثقب فيه. ماذا لو أفلتت السيطرة عليها، فأكلت كل أوزون الغلاف الجوي؟ عندها تهلك الحياة على الكرة الأرضية كلّها، بل تباد في لفح الحرارة والأشعة. بأثر من تلك الأسباب، تبدي دول متقدمة في العلم، كأميركا واليابان وألمانيا والصين، اهتماماً فائقاً بالنانو تكنولوجي، وتحيط بحوثها العميقة بجدران سميكة من السريّة.