قطعت فيكتوريا أجوك طريقاً ترابية طويلة تفصل منزلها في قرية غومبو القريبة من جوبا، عاصمة جنوب السودان، عن مركز تسجيل المشاركين في استفتاء تقرير مصير الإقليم المقرر الأحد المقبل، لتسجيل اسمها، لكنها لم تكن تعرف على ما ستصوت. كل ما تعرفه ان من رافقوها قالوا إن هذا «سيخلصنا من العرب». وتقول هذه المرأة السبعينية التي تعيش مع أمها في كوخ من القش وتقتات على أوراق الشجر وثمارها، شأنها في ذلك شأن 90 في المئة من الجنوبيين الذين يعيشون تحت خط الفقر: «طلبوا مني الذهاب للتسجيل فذهبت. لا أعرف شيئاً عن الاستفتاء... لكن لا أحد يحب العرب هنا». وفي هذه القرية التي يفصلها عن جوبا بحر الجبل، وهو فرع النيل الأبيض الذي يمر في ولاية الاستوائية الوسطى، يبدو الناس أكثر صراحة من مواطنيهم في العاصمة حيث تكون الإجابات عن الأسئلة عن أسباب تفضيل الانفصال، ترديداً لخطاب حكومة الجنوب الذي تروجه وسائل إعلام محلية. وبسبب موقعها عند مداخل جوبا، كانت القرية ساحة مواجهة بين القوات الشمالية و «الجيش الشعبي لتحرير السودان»، خصوصاً في معركتين كبيرتين أسقطتا مئات القتلى في الثمانينات من القرن الماضي، كما أنها ظلت هدفاً لهجمات متمردي «جيش الرب للمقاومة» حتى فرضت حكومة الجنوب سلطتها على الإقليم بعد اتفاق السلام في العام 2005 وأجبرتهم على التراجع إلى ولاية غرب الاستوائية. وفقدت أجوك زوجها في إحدى غارات «جيش الرب»، حين خرج مع رجال قريته مسلحاً بقوس وجعبة سهام لصد هجوم المتمردين الأوغنديين الذين كانوا ينهبون المنازل ويخطفون الأطفال لتجنيدهم. ولا يكاد يخلو أي من طرقات هذه القرية التي تطوقها أحراش من بيت فقد أحد أفراده، إما في الحرب مع الشمال أو في غارات جيش الرب. ويقول بيير زيل، وهو يشير إلى عدد من منازل القرية الواحد تلو الآخر: «هؤلاء خطف جيش الرب ابنتهم في هجوم، وهؤلاء فروا إلى كينيا بسبب المواجهات مع الشمال، وهؤلاء غادروا إلى اوغندا... نريد الانفصال». وعاد من دول مجاورة كثيرون ممن فروا من قراهم خلال الحرب مع الشمال. ويقول المسعف أوكيلو صامويل (28 عاماً) الذي عاد قبل ثلاثة أشهر من أوغندا حيث قضى أكثر من نصف عمره فاراً من الحرب: «جئت لأختار الطلاق مع الشمال. عانينا من العرب كثيراً، وفقدت والداي بعيداً من أرضي. هذا وقت الانفصال». ويعترف صامويل بأنه يخشى اندلاع حرب بين القبائل المتنافسة في الجنوب. ويقول: «وارد جداً أن يحدث نزاع على السلطة بين القبائل الكثيرة هنا، لكن هذه ستكون حرباً أهلية وهي أقل كثيراً مما فعله العرب بنا. كانت (الطائرات العسكرية من طراز) انطونوف تقصفنا بلا تمييز لعمل إبادة جماعية... التقاتل الداخلي أفضل من أن يبيدنا الآخرون». واتهم وزير التعاون الإقليمي (الخارجية) في حكومة الجنوب دينق الور حكومة الخرطوم بدعم «جيش الرب للمقاومة» بهدف «خلق مشاكل خلال الاستفتاء». وقال خلال لقاء مع عدد محدود من الصحافيين حضرته «الحياة» في مكتبه في جوبا أمس، إن هناك «أدلة دامغة تتحدث عن نفسها» على هذا الدعم. واعتبر أن «الانفصال سيكون انفجاراً كبيراً وصدمة للكثيرين في الشمال ممن لا يقتنعون بأن الجنوب سينفصل... وسيُستخدم في تعبئة الشارع ضد حكومة الشمال». وأضاف أن النزاع على منطقة ابيي التي يتحدر منها «قد يؤجج الحرب مجدداً»، مشيراً إلى أن «الجيش السوداني مازال يسلح قبيلة المسيرية (العربية) لزعزعة استقرار المنطقة، لكن الوضع تغير و(قبيلة) الدينكا (الجنوبية) باتت مسلحة. والجيش الشعبي لتحرير السودان (المسيطر على الجنوب) قد يدعمها أيضاً. وإذا تدخل الجيشان لدعم القبيلتين، فستكون هذه حرباً».