1 (حين كنا في الكتاتيب صغاراً) كانت لنا لعبةُُ واحدة .. حصةُُ واحدة .. ركلةُُ واحدة .. كانت رياضتنا راقدة!! 2 أفتتح مقالتي اليوم بمطلع من نزار قباني، ثم هذرت بعده شيئاً قليلاً من أشجاننا مع (حصة الرياضة البدنية) في مراحلنا الابتدائية والمتوسطة والثانوية. كنا في عمر العنفوان والنشاط والطاقة الكامنة التي نريد أن نفرغها في ملعب المدرسة الترابي، لكن الجدول المدرسي كان يكبت تلك الطاقة فينا ويحولها إلى شحوم، إذ لا يتضمن الجدول سوى حصة رياضة واحدة فقط طوال الأسبوع. ثم إذا جاءت هذه الحصة الوحيدة، التي ننتظرها سبعة أيام، فَجَعَنا مدرس الرياضة القدير بأن الكرة «منسّمة»، أي خالية من الهواء! وهو ما يلزمنا بأن نتحول من ممارسة رياضتنا المفضلة (كرة القدم) إلى رياضات أخرى يقترحها المعلم الفاضل، مثل الجمباز أو الحبشة (بتسكين الباء وليس فتحها)، وهي رياضة تقوم على قانونين أساسيين، الأول: الركض حتى الإشباع. والقانون الثاني: الركض بعيداً عن أذني المدرس! بعد أن تنتهي حصة الرياضة، الوحيدة في الأسبوع، يلقي علينا وكيل المدرسة موعظة في التحذير من اللعب في الشوارع، وأنه مظهر غير حضاري ينبغي أن نتجنبه، خصوصاَ أن الدولة (الوزارة!) لم تقصّر في تسخير كافة الامكانات اللازمة في المدارس لتنشئة شباب الوطن وفق أحدث وأجمل وأكمل وأقوى ... إلخ إلخ!! 3 ما الذي جعلني أستحضر الآن مأساتنا مع حصة الرياضة آنذاك؟! كنت في الرياض، الأسبوع الماضي، أقضي «الكريسماس» بين الأهل والأحباب. لكن أفراح وبهجة الكريسماس لم تكتمل عندي بسبب النبرة الحزينة التي لمستها في أحاديث المجالس وأعمدة الكتّاب، من تردد وزارة التربية والتعليم في إقرار وضع حصة للرياضة البدنية في مدارس البنات، أسوة بمدارس البنين. وقد انطلقت «مرافعة» هؤلاء من أن الفتاة السعودية أصبحت تعاني بشكل ملموس من أمراض السمنة والكولسترول، وبالطبع الترهل .. ما أدى إلى زيادة معدل العنوسة والاكتئاب. وإن إقرار حصة الرياضة البدنية في مدارس البنات سيؤدي، بلا شك، إلى تحسن أبعاد جسد الفتاة السعودية وزيادة خصوبتها (قالها أحد الكتّاب!)، واسترخاء نفسيتها، ما يجعل المرأة السعودية تستعيد مكانتها وكيانها ووجودها بين نساء العالم. كل هذا ستفعله حصة رياضة أسبوعية للمرأة السعودية؟! ما أضعف المرأة السعودية وأيسر مشكلاتها وأبسط حلولها!. قد لا ألوم الكاتبات الحالمات إذا قلن ذلك، (ربما) لأنهن لم يعشن تجربة الرياضة المدرسية التي عشناها! لكني لا أستطيع أن أفهم منطلقات الكتّاب الحالمين إذا قالوا ذلك، وهم مجربون ويعرفون ماذا تعني الرياضة المدرسية، وماذا تقدم لجسد ونفس وروح الطالب... الذي ينتظرها أسبوعاً بعد أسبوع، إذا لم «تنسّم» الكرة! 4 أعرف أن المرأة السعودية تعاني من حجب بعض حقوقها الإنسانية البسيطة بسبب عادات وتقاليد مغلّفة بالدين. لكن الحقوق الجديرة يتم هدرها عادة بالمرافعات الضعيفة أو المزيّفة، وهو بالمناسبة وباء موجود عند كلا التيارين المتجادلين. المرافعات «المنسّمة» تؤدي نفس مفعول الكرة المنسّمة، في الحرمان من مزاولة الرياضة! * كاتب سعودي [email protected] www.ziadaldrees.com