أصدرت محكمة الميدان العسكرية في قطاع غزة أمس أحكاماً نهائية بإعدام ثلاثة مدانين بقتل القيادي في «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس» الأسير المحرر مازن فقها. وقررت المحكمة، التي تديرها حركة «حماس»، وفقا لقانون العقوبات الثوري لعام 1979 الذي وضعته منظمة التحرير الفلسطينية، الحكم بإعدام المدان أ. ل. القاتل المباشر شنقاً، والحكم بإعدام المدان ه. ع. شنقاً، والحكم بالإعدام رمياً بالرصاص على المدان ع. ن. ودانت المحكمة بعد جلسات عدة دامت أياماً قليلة، الثلاثة بالتخابر مع الاحتلال الإسرائيلي والمشاركة في اغتيال فقها في 24 آذار (مارس) الماضي بإطلاق ست رصاصات عليه من مسدس مزود كاتم صوت أسفل منزله في حي تل الهوى جنوب غربي مدينة غزة. وصدرت الأحكام خلال أسبوع فقط من بدء المحاكمة عقدت خلاله أربع جلسات فقط، في سابقة منذ سيطرة «حماس» بالقوة على قطاع غزة عام 2007. وعلى رغم الإعلان مسبقاً أن جلسات المحاكمة علنية، إلا أن الأجهزة الأمنية التابعة ل «حماس» لم تسمح للصحافيين وممثلي وسائل الإعلام بحضور جلسة النطق بالحكم. غير أن عدداً من الصحافيين تمكن من التقاط صور للمدانين لدى دخولهم قاعة المحكمة في مقر هيئة القضاء العسكري غرب مدينة غزة. وأكد رئيس هيئة القضاء العسكري العميد ناصر سليمان خلال مؤتمر صحافي عقده عقب انتهاء المحاكمة أن أحكام المحكمة «نهائية لا تقبل الطعن والاستئناف». وقال إن «المحكمة شُكلت وفق الأصول وأخذت الوقت الكافي للمحاكمة». وأوضح أن «الأحكام واجبة التنفيذ بعد عرضها على الجهات المختصة للتصديق عليها». واعتبر أن «الخطورة الإجرامية لهذه القضية أدت إلى تشكيل محكمة الميدان. ووفق القانون الدولي، فإنه في حال وجود طيران حربي وعمليات حربية يمكن تشكيل محكمة الميدان». وبعد النطق بحكم الإعدام شنقاً عليه، صرخ المدان ه. ع. قائلاً: «تحيا المقاومة». كما هتف في محاولة لإظهار الندم قائلاً: «الله أكبر... يحيا العدل»، مطالباً «كتائب القسام» بأن تنفذ حكم الإعدام في حقه. ووجه رسالة الى ضباط جهاز الأمن العام الإسرائيلي «شاباك» الذين جندوه للعمل لمصلحته، قائلا إن «المقاومة حتماً ستطاولكم، وشعبنا سينتصر عليكم». ووصف ضباط المخابرات الإسرائيليين بأنهم «قتلة أبنائنا»، وقال: «أنتم جعلتم منا عملاء على شعبنا... وشعبنا سينتصر عليكم». وكانت وزارة الداخلية التي تديرها «حماس» في قطاع غزة كشفت خلال مؤتمر صحافي الثلثاء الماضي تفاصيل عملية اغتيال فقها ومنفذيها. وأعلنت اعتقال 45 عميلاً للاحتلال خلال عملية أمنية واسعة أطلقت عليها «فك الشيفرة 45». وقالت إن القاتل المباشر أ. ل. تجند لصالح الاحتلال عام 2004. وتشير معلومات مسربة لم يتم تأكيدها أو نفيها من الحركة أو أجهزتها الأمنية، إلى أن القاتل المباشر المنتمي ل «حماس» شارك في أحداث الانقسام عام 2007، وقتل عدداً من المنتمين الى حركة «فتح» وشاباً مسيحياً قبل سنوات عدة على خلفة دينية، قبل أن تفصله الحركة من صفوفها. من جهته، اعتبر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن «المحاكمات السريعة لا تحقق العدل أو القانون». وأعرب في بيان أمس عن «قلقه من عدم إعطاء المتهمين حقهم في الدفاع أو المحاكمة العادلة»، مستغرباً «الاستعجال غير المبرر في إصدار الحكم». واعتبر أن «محاكم قطاع غزة تستخدم عقوبة الإعدام بإسراف شديد، إذ وصل عدد أحكام الإعدام الصادرة في قطاع غزة منذ بداية العام الحالي 23 حكماً، من بينها 15 حكماً جديداً، وثمانية أحكام صدرت تأييداً لأحكام سابقة». وبهذا يرتفع عدد أحكام الإعدام في مناطق السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها عام 1994 إلى 189 حكماً في 189 قضية مختلفة، من بينها 169 حكماً في القطاع، و20 في الضفة. ومن بين الأحكام الصادرة في القطاع 111 حكماً صدر بعد سيطرة «حماس» على القطاع عام 2007. ورأى المركز في بيانه أن «الاستعانة بمحكمة الميدان العسكرية انتهاك للحق في محاكمة عادلة والحق في التقاضي أمام القاضي الطبيعي». وأكد أن «قانون العقوبات الثوري لسنة 1979 وأصول محاكماته غير دستوري ويخالف التزامات السلطة الفلسطينية على المستوي الدولي». وأشار المركز إلى أنه وفق متابعته وقائع الجلسات، فإن «المتهمين لم يُعطوا حق الدفاع في شكل حقيقي، إذ أدعت هيئة القضاء العسكري أن المتهمين رفضوا توكيل محام، لذا انتدبت المحكمة محام يعمل في النيابة العسكرية، الذي اكتفى بطرح بيناته في جلسة واحدة، من دون أن يطلب أي مهلة زمنية لإعداد دفاعاته، ما يثير شكوكاً حقيقية في شأن صورية المحاكمة». وأكد المركز أن «المحاكمة العادلة، خصوصا عند الحكم بالإعدام تُعتبر من القواعد الدولية الآمرة الملزمة للجميع، ومخالفتها تمثل انتهاكاً للمعايير الدولية الدنيا لحقوق الإنسان، خصوصاً المادة 6 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الملزم للسلطة الفلسطينية باعتبار فلسطين دولة منضمة إليه منذ عام 2014». وعبر المركز عن رفضه «الإصرار على استخدام عقوبة الإعدام، وتصويرها بأنها عقوبة لها ردع خاص يمنع الجريمة، ويؤكد أن إقامة العدل أمر يختلف تماماً عن الانتقام»، محذراً من «سيطرة عقلية الانتقام التي تتصدر الرأي العام على الجهاز القضائي». وقال المركز إنه طالما دان تنفيذ أحكام الإعدام من دون مصادقة الرئيس محمود عباس، مؤكداً أنها «مخالفة واضحة للقانون الأساسي الفلسطيني الذي يشترط تصديق الرئيس الفلسطيني للتنفيذ». وطالب المركز القضاء العسكري «باحترام القانون الأساسي وإعطاء كل المتهمين حق الدفاع من دون تمييز وبغض النظر عن نوع الجريمة». كما طالب النائب العام واللجنة الإدارية (حكومة حماس) في القطاع «بعدم إحالة مدنيين على القضاء العسكري لما يمثله ذلك من مخالفة للقانون، وما يترتب عليه من إنكار للعدالة».