عادة ما توفر الجولات الرئاسية الأميركية فرصة لاستعراض القوة والحنكة السياسية، لكنها تنطوي أيضاً على أخطار وحقول ألغام ديبلوماسية. وبالنسبة الى الرئيس دونالد ترامب، فإن الكثير من هذه الأخطار سيكون بانتظاره في القدس وبيت لحم الأسبوع المقبل. وقد تكون جولة تستمر تسعة أيام، وتتضمن زيارات للمملكة العربية السعودية وإسرائيل والأراضي الفلسطينية والفاتيكان وحلف شمال الأطلسي، مهمة صعبة على أي رئيس. لكن بالنسبة الى ترامب، الذي تحاصره التساؤلات في الداخل في شأن صلة إدارته بروسيا وإقالته مدير مكتب التحقيقات الاتحادي (إف بي آي) جيمس كومي، فقد تكون الجولة أكثر إرهاقاً، خصوصاً أنها الأولى له منذ توليه منصبه. وخلال حملته الانتخابية، وعد ترامب بأن يكون «أفضل صديق» لإسرائيل إذا انتخب، ولمح إلى أنه لا مشكلة في مواصلة الحكومة الإسرائيلية بناء المستوطنات على أراضٍ محتلة لأنه لا يعتبر ذلك عقبة أمام السلام. لكن منذ توليه منصبه، غيّر ترامب أسلوبه، إذ حض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على «الحد» من الأنشطة الاستيطانية، وأشاد بالرئيس محمود عباس خلال اجتماع بالبيت الأبيض الشهر الجاري في إطار مساعٍ للتقريب بين الجانبين وإطلاق محاولة أخرى لتحقيق السلام في الشرق الأوسط. ويبدو من غير المرجح أن يتمكن ترامب من حمل نتانياهو وعباس على مصافحة بعضهما بعضاً خلال زيارته الأراضي المقدسة التي تستغرق 28 ساعة، كما تبدو احتمالات أن يحدد جدولاً زمنياً لاستئناف محادثات السلام ضئيلة أيضاً. لكن هذا لا يعني عدم وجود فخاخ ديبلوماسية أخرى بانتظاره. ولعل أكثر هذه الشراك حساسية هي ما سيقوله ترامب، أو ما لن يقوله، في نهاية المطاف في شأن وعد قطعه خلال حملته الانتخابية بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. ولا توجد لأي دولة في العالم سفارة في القدس لأن وضع المدينة لا يزال محل نزاع في نظر المجتمع الدولي. وبينما تصف إسرائيل القدس بأنها عاصمتها غير القابلة للتقسيم، يريد الفلسطينيون إقامة عاصمة لدولتهم المستقبلية في الشطر الشرقي منها. واختار ترامب لمنصب سفير بلاده لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، وهو يهودي متدين يصر على ضرورة نقل السفارة، ويخطط للعمل من القدس في بعض أيام الأسبوع. خطوات حذرة عندما وصل فريدمان إلى إسرائيل الأسبوع الجاري، كان أول ما فعله هو زيارة الحائط الغربي (البراق) في القدس، في تغيير رمزي للبروتوكول المعتاد. ويعتزم ترامب زيارة الحائط الغربي أيضاً، وهو أمر نأى رؤساء سابقون بأنفسهم عنه بسبب الحساسيات السياسية. إذ يقع الحائط الغربي في المدينة القديمة في القدسالشرقية التي استولت إسرائيل في حرب عام 1967. وفي شكل رسمي، تعتبر الأممالمتحدة والولايات المتحدة ودول أخرى المدينة القديمة والقدسالشرقية أراضي محتلة، ولا تعترف بزعم إسرائيل السيادة عليها. ونتيجة لذلك، رفضت وزارة الخارجية الأميركية طلباً من نتانياهو لاصطحاب ترامب وأسرته عندما يزور الموقع يوم الاثنين. وبدلاً من ذلك، سيكون حاخام الحائط الغربي بصحبة ترامب. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية: «هذه أكثر طريقة ملائمة لإظهار الاحترام المناسب لهذا الموقع المقدس». لكن في مقابلة مع صحيفة «إسرائيل هيوم» المؤيدة لنتانياهو، قال ترامب إن خططه «قد تتغير»، ولمح إلى أنه قد يطلب من نتانياهو أن يصاحبه في تحرك سيسعد نتانياهو، لكن سيغضب الفلسطينيين. ومن المقرر أن يزور ترامب عباس لمدة ساعة الثلثاء في بيت لحم التي تقع على بعد كيلومترات جنوبالقدس في الضفة الغربيةالمحتلة. ولكي يصل إلى هناك، سيتعين على موكب ترامب أن يمر عبر نقطة تفتيش أمني إسرائيلية مشددة وحوائط خراسانية مرتفعة تفصل الضفة عن القدس. وسيكون الفلسطينيون والإسرائيليون في حال ترقب للغة الخطاب التي سيستخدمها ترامب عندما يجتمع مع عباس. وعلى رغم أن الرئيس الاميركي لم يدعم في شكل واضح حل الدولتين، فمن المتوقع أن يعبر عن تأييده لحق الفلسطينيين في «تقرير المصير». وبعد أن يشق طريقه خارج حقل الألغام الدببلوماسي، من المقرر أن يزور ترامب نصب «ياد فاشيم» لضحايا المحرقة، اذ خصص 15 دقيقة لهذه الزيارة على النقيض من رؤساء سابقين أمضوا ساعة أو أكثر عند النصب.