يشق أهالي حي «السامر3» طرقات حيهم ذهاباً وجيئة عبر قارب مطاطي بعد أن غمرت مياه الأمطار التي هطلت في إجازة الأسبوع الماضي على جدة، إذ تحولت شوارعهم إلى صورة حية ل«وادي سوات» الشهير في باكستان، الذي غمرته مياه الفيضانات فأغرقت الناس والبيوت وشردت الآلاف. حي السامر بعد هطول الأمطار ينقطع عن العالم المحيط، فالمياه التي تخطى ارتفاعها المترين لم تمكنهم من الذهاب إلى أعمالهم، أو مدارسهم، بل لم يتمكنوا حتى من جلب المعيشة إلى بيوتهم، أو أداء الصلوات في مسجدهم، لكن نظرة فاحصة للوجوه بإمكانها أن تقرأ جيداً علامات السخط، التي تحولت من شعور داخلي إلى صراخ لا يهدأ، وفي هذه المرة وغيرها من المرات السابقة تنتظم الأصابع مسددة نحو الأمانة. وفي الوقت الذي أعطبت فيه السيارات بعد أن غمرتها مياه الأمطار، يتنقل أهالي الحي عبر شارعهم بقارب مطاطي وهو وسيلة النقل الوحيدة للحي رسمياً حتى تتمكن المضخات من تجفيف الشارع، وبإمكانهم بواسطة هذا القارب التبضع من «البقالة» والوصول إلى المدارس، ونقل النساء والأطفال من خلاله إلى خارج محيط الحي. علي الغامدي هو من جلب «قارب النجاة» لجيرانه من السكان، وعندما رأى كاميرا «الحياة» توثق المشهد بكل تفاصيله، هرع نحوها مسرعاً من دون انتظار القارب وقدماه عاريتان من حذاءيه، يصرخ بأعلى صوته: «نحن محتجزون هنا، لانستطيع الخروج والذهاب إلى أي مكان، المياه ملأت الأدوار الأرضية، والخزانات طفحت بمياه المجاري، ودخلت المياه إلى بيوتنا، الأثاث تعرض للتلف، والسيارات غمرتها المياه ولم نستطع حتى انتشالها وإصلاحها، يسكن في بنايتي الكثير من الموظفين لم يتمكنوا من الذهاب إلى أعمالهم»، ويتساءل علي «مر عام على كارثة الأمطار والسيول، فلماذا لم تستفد الأمانة من الدرس، وتضع لنا أنابيب لسحب المياه قبل أن نتعرض لهذا الموقف؟». ويضيف: «لم يلتفت إلينا أحد إلى هذا اليوم، وفي وقت كارثة الأمطار والسيول منذ أكثر من عام، كان الاهتمام منصباً على قويزة وغيره، وكنا بأسوء من هذه الحال». بينما يشتكي أحمد عطيه المالكي من معاملة أحد المسؤولين في البلدية له حينما طالب بمزيد من شاحنات شفط المياه التي وصلت متأخرة، يقول: «تحدثت مع أحد المسؤولين وطالبته بمزيد من الاهتمام؟ وجلب عدد أكبر من شاحنات شفط المياه، لكنه لم يحترم كبر سني وأجابني بلغة تهديد وتعالٍ: «إذا لم تصمتوا سأسحب شاحنات الشفط من الحي!». ويحكي عبدالعزيز الناشري قصة استنجاد الأهالي بالدفاع المدني بعد هطول الأمطار لإنقاذ الحي، «أجابونا أن هذا ليس من اختصاصهم، وأن علينا الاتصال بالأمانة، ولم نتلق أي رد من الأمانة قبل ليل البارحة، وجلبوا لنا مضخات مالبثت أن تعطلت، ومع أنها تعمل الآن لكن يبدو أمامها المزيد من الوقت حتى تتمكن من تجفيف المياه». ويسترسل الناشري في سرد قصص عناء ساكني الحي «ما يزيدنا هماً فوق هم هو لغة التهديد والتعالي التي بدت واضحة في حديث أحد مسؤولي البلدية مع أحمد المالكي، وكأن هذا المسؤول يقدم هذه الخدمات من جيبه، بل إن أحد جيراني مسن مقعد، لم تسعفه الحال للحاق بموعد مراجعته للمستشفى، البعض لجأ إلى أسطح المنازل خوفاً من أن تصل المياه إلى الطوابق العلوية، المؤسف أننا ندفع ملايين الريالات لنسكن في منازل نمتلكها ثم تؤول بنا الحال إلى هذا النحو».