مع ان أمسيات الخرطوم تشهد هذه الأيام حالة لافتة من الحراك الموسيقي والطربي، وخصوصاً في الدوائر الرسمية، إلا ان اعضاء اتحاد الكتّاب السودانيين حرصوا على المشاركة في مؤتمرهم الرابع «الميلاد الثاني»، الذي عقد في 27 و 28 الجاري في جامعة الخرطوم تحت شعار «المواطنة وتقرير المصير: بين الوحدة والانفصال». وكما كان متوقعاً طغت على المؤتمر المتنوع شواغل المشهد السياسي الراهن، وبخاصة موضوع استفتاء سكان جنوب السودان على خياري الوحدة مع الشمال أو الاستقلال عنه والمقرر في 9 الشهر المقبل. وفي هذا الإطار خصصت حفلة الافتتاح لعرض فيلم تسجيلي بعنوان «صور لأشكال التنوع الثقافي في السودان»، إضافة إلى عروض أدائية شعبية ومعرض تشكيلي للفنان عصام عبد الحفيظ . أما المداخلات الفكرية في المؤتمر، فدعت في مجملها إلى التعاطي مع حال التعدد الإثني في السودان بتشريعات وقوانين واستراتيجيات تعلي شأن «المواطنة» على ما عداه، إذ أرجع الاكاديمي محمد جلال هاشم في ورقته «مشروع الحداثة... من إنسان سنار إلى إنسان أمدرمان»، الأزمات التي يمر بها المشهد السياسي الراهن إلى حال الفرز الإثني التي سادت طويلاً في المجتمع السوداني، خصوصاً التحامل الممنهج ضد المجموعات الإثنية ذات الاصول الافريقية، والذي تمدّد من إطاره الشّعبي في مملكة الفونج (وهي أول مملكة عربية اسلامية في السودان، ازدهرت في الفترة 1504- 1821، وتكونت من تحالف العرب والزنوج، وكانت عاصمتها مدينة سنار) ليصبح موقفاً رسميّاً تتبنّاه الدولة السودانية الحديثة ومؤسساتها الادارية في مدينة أمدرمان. وحذر هاشم من ان لا مجال للسلام الاجتماعي في السودان إذا لم يبرأ المجتمع من أدواء العرقيّة. وذكر حامد علي نور في ورقته «مدينة الفاشر: حالة للتعايش والمواطنة»، ان 160 قبيلة من مجموعات إثنية مختلفة تسكن مدينة الفاشر، التي أنشئت في نهاية القرن الثامن عشر لتصبح حاضرة «سلطنة دارفور»، إحدى السلطنات الإسلامية الأفريقية الكبيرة في جنوب الصحراء، والتي كانت تمتد من البحر الاحمر في الشرق الى الساحل الأطلسي في غرب افريقيا. ومنذ ذلك الوقت استقبلت المدينة قبائل من خارج السودان وداخله وشكلت بوتقة للتعايش والتصاهر، إلى ان تدهورت الحال مع دخول المستعمر في القرن التاسع عشر. ورصد عبد المنعم الكتيابي في ورقته «نموذج التعايش الاجتماعي في مدينة أمدرمان»، أحوال التداخل الإثني في مجتمع العاصمة السودانية، وكيف ان هذا المجتمع «صنع مزاجاً مشتركاً» بين مجموعاته السكانية بطريقة تلقائية وعفوية. وأفاد عبد الباسط سعيد في ورقته «محاور النزاع حول منطقة آبيي: المحلي والقومي والاقليمي والدولي»، بأن النزاع في المنطقة التي تقع في الحدود بين شمال السودان وجنوبه بدأ نزاعاً قبلياً، وتحول صراعاً عنيفاً من منتصف ستينات القرن الماضي، وتصاعد إلى صراع حول ملكية الأرض عندما أصبح البترول مورداً حيوياً وأصبحت المنطقة محلاًّ للنزاع المعقد والتنافس على الثروة البترولية. وفي ورقته «الخارطة اللغوية في السودان وقضايا الهوية والمواطَنة»، دعا أحمد صادق إلى الاعتراف باللغات المحلية دستورياً، وقال: «نحتاج إلى لحظة دستورية تساوى بين كل المجموعات اللغوية»، وأشار إلى مجتمعات في افريقيا واميركا اللاتينية، كمثال على فاعلية الاعتراف بالحقوق اللغوية للإثنيات المختلفة، وبخاصة ما يتعلق بالتعايش السلمي والتفاعل الحضاري.