كان مجرد مزيج من سوء الحظ وانعدام الكفاءة وقلة مخازن الخردوات، هو ما منع تيمور عبدالوهاب من أن يصبح قاتلاً جماعياً. وعندما فجّر نفسه في أحد الشوارع الأكثر ازدحاماً في العاصمة السويدية ستوكهولم، لم تعمل سوى قنبلة أنبوبية واحدة من الست التي ربطها حول خصره. ولم يتحول الكيس المليء بالمسامير الذي حمله على ظهره إلى شظايا، كما أن السيارة التي تركها على بعد بضعة شوارع لم تنفجر أيضاً. على رغم ذلك، وفي الأيام التي أعقبت تفجير الحادي عشر من كانون الأول (ديسمبر)، تبارى المعلقون، من اليمين واليسار، في تأكيد أن الكارثة التي أمكن تجنبها تدعم وجهات نظرهم المتباينة حيال السياسة الوطنية. واعتبر كتاب من اليسار أن مشكلة الإرهاب في السويد تفاقمت بسبب مشاركة بلدهم في الحملة الأميركية في أفغانستان وبسبب القوانين التي تمنع تشجيع الإرهاب والتي لن تطبق على السويديين البيض. أما بعض الكتاب اليمينيين فرأوا أن المشكلة ناجمة عن تضاؤل عدد «السويديين الأنقياء» وعن تأثير الإسلام في البلاد. ما تتشارك التفسيرات هذه فيه هو افتراضها ان الإرهاب المحلي مشكلة سياسية أسفرت عنها الأوضاع الاجتماعية السويدية. في الواقع، ان المشكلة نفسية في الأساس وأطلقتها الهجرة الواسعة وعمقتها التكنولوجيا التي تعزز العزلة الاجتماعية. ولسوء الحظ، لا يمكن علاج هذه الأسباب علاجاً سهلاً. وبعد أربعة أيام من محاولة التفجير، نشرت الشرطة السويدية تقريراً معداً منذ زمن عن التطرف الإسلامي العنيف في البلاد والذي يشكل معضلة من بعض الأوجه. وخلص التقرير إلى أن الإرهاب الاسلامي لم يصبح خطراً جسيماً يهدد المجتمع السويدي ولا قيمه الأساسية، لأن «الناشطين في تلك الشبكات مهتمون أولاً في دعم وإسناد الإرهاب في بلدان أخرى». وليس مفاجئاً أن تجلب الجماعات المهاجرة مشكلاتها معها من بلادها الأصلية، وغالباً ما تصبح أشد تطرفاً وغلواً. بيد أن المهم في المسألة ان المشكلات جلبها المهاجرون معهم ولم تنشأ بعد وصولهم. وعبدالوهاب الذي ولد في بغداد ونشأ في بلدة صغيرة كل سكانها تقريباً من الإثنية السويدية، هي تراناس، كان جزءاً من موجة ضخمة من الهجرة ذات الأسباب الإنسانية التي استقبلتها السويد في الأعوام الثلاثين الماضية. وتشير أرقام عام 2009 إلى أن 14.3 في المئة من سكان السويد ولدوا خارج البلاد. وعندما تضيف الجيل الثاني من المهاجرين، يرتفع المجموع إلى 18.6 في المئة. وما زالت النسبة الأكبر من المولودين في الخارج تتألف من الفنلنديين وغيرهم من الإسكندنافيين، لكن أعداد اللاجئين من الشرق الأوسط ويوغوسلافيا السابقة، هي ما يتزايد بسرعة بمرور الأعوام. وعلى امتداد العقدين الماضيين بأكملهما تقريباً، كانت الفكرة القائلة إن وصول المهاجرين بأعداد كبيرة من بلدان مضطربة مزقتها الحروب سيؤدي إلى عواقب سلبية أو إيجابية، لا تخطر على بال، ناهيك عن أنها كانت لا تناقش علناً. وحدها مقاطعة سكين الواقعة في أقصى الجنوب شهدت بروز حزب معاد للمهاجرين، هو حزب السويديين الديموقراطيين الذي ثبّت نفسه في الحكومة المحلية منذ أعوام. وانضم ممثلو الحزب في أيلول (سبتمبر) الماضي الى البرلمان حيث يمسكون اليوم بعصا التوازن بين المعارضة اليسارية وحكومة يمين الوسط، اللتين تتجاهلان «السويديين الديموقراطيين» وتأملان في أن يختفوا قريباً. ويذكر زملاء عبدالوهاب في المدرسة في تراناس أنه كان شخصاً اجتماعياً وشخصية مندمجة اندماجاً طيباً. أما في بلدة لوتون في بريطانيا التي قصدها للدراسة، فقد نأى عن المسجد المحلي بعد جدال في شأن آرائه المتطرفة. لكن أين كان يقضي عملياً كل وقته؟ تقول الإثباتات الأولية أن الميول المتطرفة لم ترسخ لديه في السويد ولا في بريطانيا بل حيث يعيش البشر المعاصرون، من شبكة الإنترنت. أكثر ما نعرف عن عبدالوهاب جاء من حياته على الشبكة. من شبكة تنظيم مواعيد حيث بحث الانتحاري عن زوجة ثانية، بعد نيل إذن الأولى، من نبذته الشخصية على موقع «فيسبوك» حيث يبدي إعجابه «بالخلافة الإسلامية» وبجهاز «آبل – آي باد». وحيث وضع لقطات مصورة لسجناء عراقيين يتعرضون للإساءة من جنود أميركيين وخطباً لرجال دين متشددين. جلي أن الإنترنت ليست نشرة حائط يترك الإرهابيون عليها آثار حياتهم الشخصية، بل هي أيضاً مخزن مواد ملتهبة يستخدمونها لتغذية خيالاتهم الانتحارية. ولا يطول الأمر قبل أن يستجدوا دعم مجرمين أوسع خبرة منهم. منفذ مجرزة فورت هود، نضال حسن، كتب، كما بات معروفاً، رسائل إلكترونية إلى الإرهابي الفار أنور العولقي سائلاً النصح قبل الإقدام على تنفيذ هجومه. كانت الحياة في البلدة الصغيرة السويدية هي التي تشكل أرضية مفهوم التكامل السويدي. وعندما استبدلت تلك الحياة بأخرى تعتمد على التكنولوجيا، بات المثال السويدي شديد الصعوبة إن لم يكن مستحيل التطبيق. والمهاجرون ليسوا مترددين فقط في التأقلم مع المكان الذي يوجدون فيه، بل إنهم يشعرون شعوراً متزايداً ان ليس من مكان للتأقلم معه. وفي الوقت الذي تنحل فيه الخصوصيات والثقافات القومية، يبدو أننا جميعاً، من مهاجرين سكان أصليين، ومن العلمانيين والمتدينين، نتشارك في الحالة هذه، بصرف النظر عن ماهيتها. * صحافي بريطاني، عن «فورين بوليسي» الأميركية، 22/12/2010، إعداد حسام عيتاني