شهد الاقتصاد الروسي خلال عام 2010 العديد من التغيرات والإجراءات التي استهدفت إخراجه من تداعيات الأزمة المالية، وأثارت جدلاً حول آفاق الوضع في روسيا. وعلى رغم إجراءات الحكومة برئاسة فلاديمير بوتين في مختلف مجالات الاقتصاد الروسي، ومحاولة الانتقال إلى مرحلة تحقيق عائدات للخزينة الحكومية، لا يرى خبراء كثيرون أي معطيات تدفع إلى التفاؤل أو الحديث عن إنجازات اقتصادية يمكن أن تتحقق العام المقبل. ويرون أن المجتمع يسير نحو الانقسام إلى أصحاب ثروات فاحشة وفقراء معدمين، إذ سيتمكن نحو 20 في المئة من السكان من تأمين مستلزماتهم المعيشية، فيما سيتحول الباقون إلى مهمشين. يكشف التباين بين التقديرات الرسمية وتوقعات الخبراء عن هذا الخلاف حول آفاق الوضع الاقتصادي في روسيا، ففي وقت أعلنت فيه الحكومة عن توقعاتها بارتفاع معدلات النمو الاقتصادي لأكثر من أربعة في المئة، يؤكد العديد من المحللين أن نسبة النمو لن تزيد عن ثلاثة في المئة خلال العام المقبل. وبينما تؤكد الحكومة أن سياستها الاقتصادية ستؤدي إلى تقليص معدلات التضخم إلى أقل من 6.7 في المئة، تكشف تقديرات المحللين أن نسبة معدلات التضخم وصلت بالفعل إلى نحو تسعة في المئة. ولعل أبرز العقبات التي تواجه الحكومة الروسية تتمثل في تقليص عجز الموازنة الحكومية، الذي سيجبرها خلال العام المقبل على اقتراض ما يزيد عن 32 بليون دولار لتغطية الديون الخارجية. ويُتوقع أن يبلغ العجز الإجمالي في موازنة عام 2011 نحو 60 بليون دولار، إذ يقدر إجمالي الدخل الحكومي بنحو 286.7 بليون دولار، فيما سيصل حجم النفقات الإجمالي إلى 346.7 بليون دولار. ويبدو أن برنامج وزير المال الروسي أليكسي كودرين لتغطية ثغرات الموازنة الحكومية عبر تخصيص حصة الدولة في عدد من الشركات الإنتاجية، المفترض أن يؤمّن للخزينة الحكومية خلال عام 2011 نحو 10 بلايين دولار، وعام 2012 نحو تسعة بلايين دولار، وعام 2013 نحو 10.3 بليون دولار، فهو لن يتمكن من تصفية عجز الموازنات الحكومية. فبعد إعادة النظر في برنامج الحكومة لتقليص عجز الموازنة الحكومية في ظل تراجع معدلات النمو الاقتصادي وتقلبات أسعار الطاقة في الأسواق العالمية، إضافة إلى الأزمات التي تعرض لها القطاع الزراعي الروسي، كشف كودرين أن الحكومة لن تتمكن من إلغاء عجز موازناتها قبل بداية عام 2015. وحذر إيغور نيكولايف، مدير إدارة التحليلات الإستراتيجية في «شركة الاستشارات المالية والمحاسبية»، من المشاريع الطموحة التي ستكون أعباء ثقيلة على عاتق الموازنة الحكومية، خصوصاً الأولمبياد الشتوي لعام 2014 الذي ستصل تكاليف الإعداد له إلى 86 بليون دولار، إضافة إلى كاس العام لكرة القدم الذي تشير التقديرات الأولية لتكاليفه إلى أنها ستتجاوز 50 بليون دولار. واعتبر نيكولايف أن هذه المشاريع لا بد من أن تتسبب في ازدياد عجز الموازنات الحكومية، على رغم قرارات الحكومة في شأن تخصيص حصة الدولة في عدد من كبريات الشركات الإنتاجية. ولا شك في أن حرائق صيف عام 2010 في العديد من الأقاليم الروسية كانت من أبرز الأحداث التي كان لها تأثير سلبي كبير في وضع الاقتصاد الروسي، وسببت له أزمات عميقة. ووفقاً للتقديرات الأولية في هذا الصدد، بلغت خسائر الاقتصاد الروسي نحو 15 بليون دولار، أي ما يزيد عن خمسة في المئة من الدخل القومي الإجمالي. وتعتبر الحكومة أن من أبرز إنجازاتها على الصعيد الاقتصادي عام 2010 كان توقيع اتفاق الاتحاد الجمركي بين روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان بعد تعثر لسنوات. وتؤكد موسكو أن هذا الاتحاد سيكون الخطوة الأولى لبناء المجال الاقتصادي الموحد، قبل أن تنطلق مسيرة التكامل الاقتصادي بين دول الاتحاد السوفياتي السابق على أسس معاصرة ووفقاً لمتطلبات السوق الحرة. ومن أهم نتائج الاتفاق تسوية الخلاف بين روسيا وبيلاروسيا حول رسوم النفط والغاز التي تحصل عليها حكومة مينسك بعد إعادة تصديره، إذ رفضت بيلاروسيا في الصيف الانضمام إلى الاتحاد خلال احتدام حرب الغاز بينها وبين روسيا، بعد صدور قرار في موسكو بفرض رسوم تصدير على المنتجات النفطية الروسية الموردة إلى بيلاروسيا، وإلغاء نظام الإعفاء من هذه الرسوم الذي كان ساري المفعول خلال الأعوام الماضية. ولا شك في أن التنازل الذي قدمته روسيا إلى حكومة مينسك يستهدف تحقيق طموحات موسكو في تطوير التكامل الاقتصادي بين بعض دول الاتحاد السوفياتي السابق واستيعاب دول أخرى.