أظهر الإضراب الشامل الأول في حملة التضامن الجارية مع الأسرى المضربين عن الطعام، في الأراضي الفلسطينية، أن الشارع الفلسطيني مشحون الى درجة كبيرة، وأن أي شرارة ربما تؤدي الى حدوث اشتعال، على غرار الاشتعالات والانتفاضات الكبيرة السابقة. وشمل الإضراب الذي دعت اليه قوى وفاعليات شعبية وشبه رسمية، مساندة لإضراب الأسرى، إغلاق المحال التجارية، وتوقف المواصلات العامة، ونزول أعداد كبيرة من الشبان الى الشوارع وإغلاقها، على غرار حوادث ومظاهر الانتفاضة الأولى. وكتب بعض المعلقين أن المشاهد التي رأوها في المدن والقرى والمخيمات، وعلى الطرق، اثناء الإضراب، ذكرتهم بمشاهد الانتفاضة الأولى. وبدا أن ما ينقص تفجر انتفاضة جديدة هو وجود قيادة تعلن عن هذه الانتفاضة، وتوجهها، وتقود فاعلياتها. وبدأ التفاعل الجماهري مع إضراب الأسرى، الذي دخل يومه الثالث عشر، منذ اليوم الأول. وعادة ما تبدأ فاعليات التضامن الشعبي مع الأسرى بعد مرور اكثر من أسبوعين على الإضراب. وقال رئيس نادي الأسير، قدورة فارس ل «الحياة»: «هذا التضامن الواسع تعبير عن إحساس الناس بأن الخطر يطالهم جميعاً». وأضاف: «عندما يشعر الشعب كله بأن الخطر يطاله كله، يحدث انفجار». «الاستيطان الذي ينهب الأرض بلا توقف، ويقتل أحلام الناس بقيام دولة فلسطينية، والقيود المفروضة على حياة الناس وحركتهم اليومية، وفقدان الأمل بالحل السياسي، ورفض تحسين شروط حياة الأسرى، كلها عوامل دفعت الناس الى الشارع للتعبير عن غضبهم واحتجاجهم»، قال فارس. ويرى كثير من المراقبين أن استمرار إضراب الأسرى يشكل خطراً على استمرار الوضع القائم، وينذر بحدوث تحول ليس في مصلحة الأمن والاستقرار اللذين تنشدهما إسرائيل والسلطة الفلسطينية. فمن جهة، بدأت تتشكل مجموعات شبابية لتنظيم الأنشطة التضامنية في مختلف انحاء الضفة الغربية خارج سيطرة السلطة الفلسطينية والقوى السياسية التقليدية مثل حركة «فتح» وغيرها. ومن جهة ثانية، أخذت بعض هذه الأنشطة تتحول الى مواجهات مع نقاط الاحتكاك الإسرائيلية، مثل الحواجز العسكرية القريبة من بعض التجمعات مثل معبر قلنديا وحاجز بيت لحم، والبؤر الاستيطانية في الخليل والقدس وغيرها. وأمام استمرار الأنشطة التضامنية وتناميها، وجدت بعض القوى السياسية المنظمة نفسها مجرورة الى دائرة الفعل الشعبي، وهو ما أضاء اكثر من إشارة حمراء في مقار أجهزة الأمن الفلسطينية التي تسعى بقوة الى منع عودة بعض التنظيمات الاسلامية الى دائرة الفعل الشعبي العلني، وتحارب أي احتكاك بين الفلسطينين وقوات الاحتلال خشية حدوث انفجار. وأوقفت أجهزة الأمن، أول من أمس الخميس، الشيخ خضر عدنان مسؤول «حركة الجهاد الاسلامي» في الضفة الغربية، اثناء مهرجان تضامني مع الأسرى المضربين عن الطعام، في مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية، لفترة من الوقت. وفي مدينة بيت لحم، اعتقلت أجهزة الأمن فتى بعدما ألقى جسماً متفجراً صغير الحجم في محيط بيت مدير الاستخبارات الفلسيطينة العامة اللواء ماجد فرج. وبعد مرور نحو أسبوعين على إضراب الأسرى، ما زالت السلطات الإسرائيلية ترفض السماح للمحامين بزيارة الأسرى المضربين والالتقاء بهم. وقال محامون إن السلطات تمنع المحامين من زيارة الأسرى المضربين، بخاصة قيادات الإضراب، مثل مروان البرغوثي، خشية نقل أخبار عن أوضاعهم الصحية تؤدي الى إشعال الشارع. وقال رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين عيسى قراقع ان الهيئة ومؤسسة عدالة الناشطة في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين في إسرائيل، قدمتا التماساً الى محكمة العدل العليا الإسرائيلية، للسماح للمحامين بزيارة الأسرى المضربين بخاصة الأسير مروان البرغوثي الذي يقود الإضراب. وقال قراقع ان المزيد من الأسرى انضموا الى الإضراب الذي يشارك فيه اكثر من 1500 أسير. وأعلنت اللجنة الإعلامية للإضراب الذي يحمل اسم «إضراب الحرية والكرامة» ان قوات الشرطة اقتحمت زنازين الأسرى المضربين في الطعام في قسم العزل في سجن «ايالون الرملة»، بعد إضرابهم عن الماء. وشهدت مختلف المدن والقرى والمخيمات، امس الجمعة، مسيرات وتظاهرات واعتصامات تضامنية مع الأسرى، بعد صلاة الظهر. وشهدت بعض المناطق مواجهات بين المتظاهرين وقوات الاحتلال. ونصح بعض الكتاب والمعلقين الإسرائيليين حكومة نتانياهو الاستجابة الى مطالب الأسرى، لمنع حدوث انتفاضة او هبة شعبية جديدة. وهاجم عضو «الكنيست» من حزب «العمل» ارئيل مرغليت رئيس وزراء إسرائيل نتانياهو ووزير أمنه الداخلي جلعاد اردان، على خلفية رفض الاستجابة لمطالب الأسرى الإنسانية محذراً من ان هذا الموقف المتعنت ربما يقود الى تفجر انتفاضة فلسطينية جديدة. وقال: «إن نتانياهو وأردان يتجاهلان توصيات مصلحة السجون، ويؤججان الأوضاع على أمر تافه، مثل منح السجناء الفلسطينيين الفرصة للاتصال عبر جهاز هاتف عام».