منذ زمن طويل لم يعد الاكتفاء بالزي نفعياً، بل صار من أساسيات فن العيش. وفي هذا الإطار، تنظم له تظاهرات وحفلات احتفاء، وذلك كمواعيد منتظرة ومشاهدة في القنوات التلفزيونية العمومية والخاصة. لذا لا غرابة أن يهتم به الفنانون والشعراء والتشكيليون ورجال الإعلام، بل ويصير جزءاً من الإبداع والمنافسة في اختلاق الأساليب المثيرة والأشكال المُحدثة، ويستعير كل تيارات الفنون والأدب، فتتجلى في القماش بمختلف الأنواع، خالقة بذلك ما يصلح عليه بآخر الصيحات في عالم الموضة. في المغرب، تنظم كل سنة حفلة تقديم القفطان المغربي، وتعرض مباشرة على التلفزيون، وهذا العام كانت الحفلة من نصيب القناة الثانية وجاء هذا الحدث تحت شعار «أنشودة السلام» وعرف مشاركة 16 مصمماً. هنا لا بد من إبداء ملاحظة أولية تتعلق بكون مشاهدة العروض المتوالية يجعلنا نقول بأنها تتشابه عموماً من سنة لأخرى. فالقفطان يظل قفطاناً لا غير، لباس امرأة أنيقة في مجتمع محافظ عموماً، دوره هو ستر الجسد بالكامل تقريباً، لكن مع البحث عن تبيان الجمال الأنثوي في تناغم مع ما سبق ذكره من محافظة في العادات. وهنا تجتهد المصممات وبعض المصممين الذكور وهم قلائل في منح العين الشكل الظاهر للقفطان في المقام الأول بتجريب الاختيارات فيه والتنويع عليه. وهي التي تزكي الفارق من مصممة إلى أخرى. ويستند هذا المعطى الأخير في البداية على التميز باختيار نوعية القماش من حرير وموسلين ومخمل مثلاً، ثم البحث عن الإكسسوارات التي يجب إضافتها بخاصة في صدر القفطان والجوانب. لا يمكن نكران أن ذلك يخلق سلسلة كبيرة من التشكيلات بمختلف الألوان والأحجام المضافة التي تسر النظر، وتجعل المرأة المغربية في حلة بهية وجذابة، بخاصة وأن القفطان صار لباس السهرة بامتياز، ولم يعد زي كل يوم كما كان الأمر قبل عقود، من دون أن يتحول إلى فستان بمعناه العام. هنا تحوير لحضوره في المجتمع في توافق مع أساسيات وجوده وهويته كما أشرنا إلى ذلك. وهكذا نرى الخصوصيات العربية والأمازيغية واضحة كما نرى الأثر الأجنبي المشرقي وخصوصاً الغربي الأوروبي حاضرين أيضاً، بعد أن تم تمثله وتصميمه داخلياً بمواصفات مغربية، مثل إقحام السراويل. لكن في المجمل يظل القفطان كما تابعناه في هذه السهرة التلفزيونية تقليدياً ومحافظاً ولا تطاله رياح «ثورة» ما كما حدث للزي في الغرب. فالمصممون يؤكدون أن في ذلك أصالته ويجب عدم التفريط فيها. وهو ما يجعل هذا الزي علامة على تطور مجتمع أو على الأقل بعض ما يعتمل فيه من تغيرات. عدا هذا، فالديكور العام لحفلة هذه السنة هو ديكور كل عروض الأزياء كما تقدم في عواصم الموضة العالمية. وقد تفنن مخرج الحلقة في إبرازه متبعاً ما أمكن مصمم العرض في واقع الصالة. حضور كثيف، وحلبة تمر منها عارضات جميلات لهن مواصفات كلاسيكية متعارف عليها، وخلفية جدارية ملونة وصادحة بشتى أنواع الخيالات، وموسيقى من كل الأصناف مغربية وعربية وغربية. يرافق ذلك كله تعليق مقدمة تجاهد كي تعبر بالكلمة عن كل تشكيلة لكل مصممة، وتُظهر المختلف فيه والزائد الذي يمنح جديداً. وهذا الأخير يجب عدم البحث عنه كثيراً، فلا نظن أن مبتكري القفطان يلجأون إلى الشعر والتشكيل في سبيل تلقيح إبرهم التي تخيط وتنسج إلا لماماً. النوع الفني الحاضر بين كل فقرة وأخرى هو الغناء، وتحديداً فرقة «الفناير» والمغنية خولة المجاهد ومطرب الشباب إيهاب أمير وفرقة «جيبزي». ويبقى السؤال: بعدما اقتحمت برامج البحث عن المواهب في عالم الموضة شاشات عربية كبيرة، هل تكون هذه السهرة توطئة لجسّ نبض الجمهور المغربي حول برامج من هذا النوع على قنواته المحلية؟