العالمي رهيب    روسيا تصعد هجماتها وتستهدف 11 منطقة أوكرانية    الهجوم البري تهديد إسرائيلي وتحفظ إيراني    14 شابا سعوديا بعالمية التايكوندو    إزالة 5 آلاف م2 من مخلفات وصيانة طرق المدينة    تحديد غيابات الهلال عن مواجهة الشرطة    مها العنزي أول مدربة سعودية للملاكمة والركل    استعادة مواقع حكومية في أبحر    دعم سعودي لمعالجة الوضع الإنساني في غزة    النائب العام يلتقي بنظيره الأذربيجاني في باكو ويوقعان مذكرة تفاهم    خطة لرفع إنتاج الورود بواسطة البيوت المحمية    الذهب يقترب من مستوى قياسي مرتفع.. ويتجه لأفضل ربع سنوي منذ 2016    الخريف يجتمع بكبرى الشركات الأمريكية    «ساما»: القطاع المصرفي بالمملكة يتمتع برسملة قوية والاقتصاد السعودي أثبت متانته في 2023    وزير الداخلية اليمني: «مسام» يزرع الأمل حيثما أراد المعتدي صناعة الموت    الشورى يطالب بدعم الجامعات الطرفية والحديثة    خيول الإسكندر وراء اكتشاف منجم الملح    وزير الداخلية يدشن مبنى الأمن العام    د. النويصر: استخدام (One Way) يفك الاختناقات المرورية داخل مدينة الرياض    المترجمون وزِمام المُبادَرة    اختتام فعاليات «سوق الدار» بمشاركة 300 أسرة منتجة في الرياض    د. الفوزان: المدارس والجامعات مصانع الحياة العلمية الواقعية    زراعة دعامة شريانية تنقذ حياة طفل    نائب أمير تبوك يطلع على البرامج الصحية لقوى الأمن    أمير القصيم يرأس اجتماع الإسكان التنموي.. ويكرم الطلبة الفائزين بجوائز دولية    خادم الحرمين يرعى المؤتمر الثالث عن تاريخ الملك عبدالعزيز    وجهة إثراء معرفي للطلاب    نائب أمير الشرقية: الإعلام له دور في إبراز تطور الوطن وأبنائه    أمير الشرقية يطلع على تقرير غرفة حفر الباطن    زرع الخلايا علاج جديد للسكري    السعودية تدين وتستنكر استهداف مقر سفير الإمارات في السودان    قابل للانتفاخ    القبض على شخصين بمنطقة الرياض لترويجهما مادة الحشيش المخدر    مُحافظ الخرج يرعى حفل تدشين مركز عمليات اليوم الواحد بمجمعات التعاون الطبية    وزارة المالية تعلن البيان التمهيدي لميزانية العام المالي 2025م    وزير الخارجية يؤكد لنظيره اللبناني دعم المملكة لأمن لبنان واستقراره    إثراء يطلق حفل "أَقرأ" الختامي ويتوّج الفائزين بلقب قارئ العالم العربي    أمانة القصيم تجري تجربة افتراضية لتعطل محطة ضخ السيول بمدينة بريدة    محافظ سراة عبيدة يرعى حفل اليوم الوطني السعودي ال ٩٤    25 ألف فرصة سكنية جديدة في معرض مشاريع الإسكان بالدمام    قطاع خميس مشيط الصحي يُنفّذ فعالية "التوعية بالورم الحليمي"    كأس العالم للأندية 2025.. 32 فريقاً.. 63 مباراة.. و12 ملعباً    تحت رعاية خادم الحرمين .. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تنظم المؤتمر الثالث عن تاريخ الملك عبد العزيز يناير المقبل    لمسة وفاء من أبناء جازان.. عبدالعزيز بن علي الهويدي    رابطة العالم الإسلامي تُشِيدُ بتقديم المملكة مُساعدات طبِّيَّة وإغاثيّة للشَّعب اللبناني    العنف المبني على النوع الاجتماعي كيف نواجهه؟    يكفيك أن يصفق لك أحدهم بيديه    الأمم المتحدة تشيد بالجهود الإنسانية للمملكة في تخفيف معاناة المتضررين في العالم    «ناديا».. روبوت محترف في إنجاز المهام    المملكة.. تحالف لنصرة فلسطين    علِّموا الأبناء قيَّم الاحترام والامتنان    الصداقة    توصيل الطلبات.. والمطلوب من مرور جدة    الاتفاق يفرض التعادل على التعاون في دوري روشن للمحترفين    الأوركسترا السعودية تختتم روائعها في لندن وتستعد للانطلاق إلى طوكيو    تشغيل غرفة للعمليات جراحية بمركز العويضة للقدم السكرية ببريدة    الامتيازات التنافسية لمياه الشرب المستوردة    «نحلم ونحقق».. أيقونة وطن!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استبدال صالحي بمتقي: نجاد يموضع الديبلوماسية حيث المفاوضات
نشر في الحياة يوم 23 - 12 - 2010

أخيراً، استطاع محمود أحمدي نجاد ان ينفذ خطوة توخاها بعد انتخابه رئيساً للمرة الأولى عام 2005، إذ سعى وقتئذ الى تعيين علي أكبر صالحي وزيراً للخارجية. لكنه رضخ لتسوية تحت إرادة المرشد علي خامنئي ورعايته، قضت بتوزير مجموعة من تيار علي لاريجاني الذي كان آنذاك أميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي وكبير المفاوضين مع الدول الغربية في شأن الملف النووي، ثم انه كان بين الذين ترشحوا للرئاسة من التيار التقليدي المحافظ ولم يحالفه الحظ. وفي ما بعد، بقي لاريجاني قيّماً على المفاوضات، أما مدير حملته الانتخابية منوشهر متقي فتسلّم حقيبة الخارجية.
كان هناك دائماً انطباع في أوساط الديبلوماسية الإيرانية بأن المفاوضات مع الدول الكبرى لا بد من أن تصل يوماً الى نقطة/ فرصة يفترض ان تكون طهران جاهزة لانتهازها. والمهم بالنسبة الى المعنيين بالملف ان من يتوصل الى الإنجاز المطلوب فيه، أي المقبول من جانب المرشد، سيكسب موقعاً مهماً ومتقدماً في النظام، ويصبح مهيأً لأعلى مراتب السلطة. كان هذا طموح لاريجاني، وكذلك طموح نجاد، وكان وجود متقي في الخارجية عنصراً داعماً مطمئناً للأول ومزعجاً للثاني. لكن نجاد عرف كيف يضرب ضربته عام 2007، إذ تخلص من لاريجاني واستبدل به زميله في الدراسة سعيد جليلي الذي كان مساعد وزير الخارجية لشؤون أوروبا وأميركا. وقبل ذلك كان استقدم صالحي لإدارة الوكالة الذرية الإيرانية. ولا يعتبر صالحي من رجال نجاد، لكن الاثنين يدينان بولاء خاص لخامنئي، ثم انهما كانا متفاهمين ربما على قاعدة ان لاريجاني اختصهما.
لم يستبعد المرشد كلياً لاريجاني بل أبقاه في الصورة ثم دعمه ليصبح رئيس مجلس الشورى (البرلمان)، ثم انه دعم بقاء أصدقائه في الوزارة، بدليل ان متقي فكر في الاستقالة بعد إعفاء لاريجاني من مهمة كبير المفاوضين، بل قدم استقالة مكتوبة، إلا انها طويت برغبة من خامنئي. كان لاريجاني يقدم تقاريره عن المفاوضات الى المرشد، شأنه في ذلك شأن معظم أقطاب التيار المحافظ التقليدي، لكن قوة نجاد تكمن في تماهيه مع المرشد حتى لو لم يكن بعض خطوات هذا الأخير ملبياً لمصالحه وطموحاته.
بعد سقوط الحماية السياسية التي كان يرتكز اليها متقي، راح نجاد يمعن في تهميشه، وباشر ممارسة الديبلوماسية الخاصة والمرتبطة به، مركّزاً على نسيبه اسفنديار رحيم مشائي الذي أراد أيضاً تعيينه نائباً للرئيس لولا «الفيتو» الخامنئي، ومستعيناً ببعض المستشارين وأبرزهم مجتبى هاشمي سماره، وأيضاً هوشنك أمير احمدي الذي يعرف الولايات المتحدة جيداً ويقيم عملياً فيها، بل انه يعرف ك «رئيس للجنة الصداقة الإيرانية – الأميركية».
وفي عام 2007 أوفد نجاد مساعديه مشائي وهاشمي الى الرئيس الفرنسي جاك شيراك في مهمة تتعلق بالأزمة الناشبة آنذاك بين الحكومة اللبنانية والمعارضة. وعندما انتخب نيكولا ساركوزي بعد أسابيع، حاول الثنائي تجديد الاتصال معه. وعندما اعترض متقي على هذا التحرك من دون علمه يقال ان نجاد رد عليه بطريقة قاسية استوجبت مغادرته الاجتماع. وإذا كان مفهوماً ان الود منعدم أصلاً بين الرجلين، فإن الطريقة التي اختارها نجاد لإقالة وزير خارجيته خلت من أي احترام أو لياقة. وما لبثت الإهانة ان استُكملت عندما أقيمت «حفلة وداعية» لمتقي من دون دعوته اليها، ولعله بقوله «ان أسلوب إقالته مخالف للتعاليم الإسلامية» ظن أنه يوجب النقد الأقسى لمناوئيه، لكن يبدو انه لم يكن يعرف مع من يعمل.
قبل ذلك اتجهت العلاقة بين نجاد ومتقي نحو الحسم بعدما أقدم الرئيس على تعيين مشائي، ما غيره، موفداً خاصاً لشؤون الشرق الأوسط، وعلى رغم ان المرشد أعلن أنه لا يبارك هذه الخطوة، إلا أن الموفد واصل مهمته، وقبل نحو شهر سربت أنباء بأن نجاد على وشك التخلص من متقي، وبعد ثلاثة أيام أشاد خامنئي بالوزير مما عنى أنه لم يوافق على ما خططه نجاد. تزامن ذلك مع تصريحات غير مألوفة لوزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس الى صحيفة «وول ستريت جورنال» اتهم فيها الرئيس الإيراني بأنه يخفي الحقيقة عن المرشد في ما يتعلق بالانعكاسات السلبية للعقوبات. كان ذلك قبل انعقاد الجولة الأولى من مفاوضات جنيف بين دول مجموعة ال 5+1 وإيران. بعد هذه الجولة يشهد الكثير من المعنيين المتصلين بأوساط الحكومة الإيرانية بأن ثمة جواً سياسياً جديداً مختلفاً في طهران.
للمرة الأولى توالت التصريحات الإيرانية لتقول ان المفاوضات كانت جيدة، وحده لاريجاني ظل انتقادياً للذهنية التي تدير بها الدول الكبرى مفاوضاتها مع إيران، والأرجح أنه لم يُحط علماً بفحوى ما جرى، أو ربما، على العكس، عرف ان تغييراً قد حصل مع جليلي وكان يتمنى لو أنه حصل أيام تفاوضه. في أي حال، استغل نجاد هذا التغيير مدركاً أن اللحظة حانت لربط المفاوضات التي ظلت حتى الآن تقنية بالديبلوماسية، ما يمكن تفسيره بأن مجموعة ال 5+1 أتاحت هذه المرة لإيران أن تعرض وجهة نظر متكاملة، أي سياسية – استراتيجية أولاً ثم نووية. ولعل هذا ما بدا مقنعاً أيضاً للمرشد الذي بارك اقالة متقي وتعيين صالحي مكانه، وليس معروفاً ما إذا كان علم مسبقاً بأن نجاد سيترك الرئيس السنغالي عبدالله واد يبلغ متقي أنه لم يعد وزيراً.
لم يكن نهج متقي سبباً لخلعه، وإنما كونه من خارج جماعة نجاد. فالأخير يشعر بأن ثمة نتيجة ستتحقق هذه المرة في المفاوضات، ولذلك فهو يريد أن يسجلها مع تداعياتها اللاحقة باسمه. فهي إما أن تساعده على إقناع المرشد بترشيحه لولاية رئاسية ثالثة، وهو ما يستلزم تعديلاً للدستور، وإما أن يكون مهّد لصالحي ليكون الرئيس المقبل الذي لا بد من أن يعتمد بدوره على «اللوبي» الذي يديره نجاد. وعلى رغم ان المفاوضات لم تثمر بعد، إلا أن طهران تبدو شديدة التفاؤل بأن جولة اسطنبول المقبلة ستوضح اكثر المناخ الذي ساد جولة جنيف.
كان متقي أقل سياسيي إيران تعبيراً عن التشدد، وهو أمضى سنواته في الوزارة محاولاً طمأنة دول الجوار الخليجي العربي وتبديد مخاوفها. لكن الخارج كان أكثر التفاتاً الى ما يصدر عن نجاد. وعلى رغم ان متقي يمكن أن يوصف بأنه يتمتع بشيء من «البراغماتية»، إلا أن الأوساط الإيرانية القريبة من التغيير الحاصل في طهران تعتبر أن فريق نجاد، المتشدد ظاهراً، هو الذي يمثل البراغماتية والواقعية، خصوصاً بسعيه الى الاستئثار بالحكم، وكذلك بالبزنس. أما صالحي الذي بدا كمن يخرج من الظل فانطلق مباشرة الى تحديد أولويات توحي بأنها جديدة، لكنها بدت بدورها كأنها خرجت من أجندة ظلت حتى الآن محتجزة. فالانفتاح باتجاه السعودية وتركيا يعني ما يعنيه، كأولوية، وقد يكتسب صدقية إذا أرفق بمبادرات سريعة وهادفة خصوصاً في مساره السعودي، لأن العلاقة الإيرانية – التركية تحسنت بإطراد وتجاوزت أكثر من اختبار.
يُنظر الى الموقف الإيراني غير السلبي من المساعي السعودية – السورية لمعالجة الأزمة اللبنانية، على أنه من المؤشرات الإيجابية التي تستحق التسجيل. ومثلها الموقف من تسريبات «ويكيليكس». لكن هذا النهج الانفتاحي لم يمس بعد جوهر المفاهيم الأساسية التي يقوم عليها النظام. ولذلك سيبقى تحت المراقبة للتأكد من أن طهران لمست فعلاً تغييراً غربياً حيالها، ما يشجعها على ملاقاته بالمثل. سنرى بعد الجولة التالية من المفاوضات.
* كاتب وصحافي لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.