في العلاقات الدولية، لا تُؤخَذ السياسة بحسن النوايا، ولا بالمواقف المثالية، وربما هذا هو الخطأ الأساسي الذي وقع فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما، أو دَفَعه إليه ما يسمّونه «حسين أوباما»، في كل من واشنطن وتل أبيب! تصريحات الرئيس الأميركي، منذ اليوم الأول لانتخابه، ثم خطابه في جامعة القاهرة، وفي أكثر من بلد إسلامي، أعطت في ظاهرها انطباعاً بأن هناك تغيّراً واضحاً في الموقف الأميركي تجاه الصراع في الشرق الأوسط، أو بمعنى آخر أن مجموعة الأزمات التي تعرضت لها الولاياتالمتحدة، جعلتها تدرك أن هذه المنطقة هي أحد أسباب أعراض مرضها، وبالتالي لا بد من إيجاد حل سريع لها. ولكن الغريب هو الانحراف المتواصل للسياسة الأميركية نحو المواقف الإسرائيلية، ولعلّ التصريحات التي أدلت بها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، خلال الأشهر الماضية، تدلّل على ذلك. السؤال هو هل فشلت واشنطن، فعلاً، في الضغط على ابنها المدلَّل، أو العاق، عندما أعلنت رفض إسرائيل وقف الاستيطان؟ حتى الآن، تحاول واشنطن ستر عورتها بعدم الاعتراف بالفشل، وربما الادعاء - ظاهرياً - أن عدم قدرتها على إقناع نتانياهو بوقف الاستيطان لفترة محدودة، على رغم كل الإغراءات التي قدمتها، يعتبر جزءاً من واقع الأمر في منطقة الشرق الأوسط! نتانياهو ليس ابناً مدللاً، بل هو عاق بكل ما يعنيه هذا المصطلح، وعقوقه مدعوم بالقوى اليمينية في الولاياتالمتحدة، ابتداءً من بقايا حكم الجمهوريين السابق، وحتى أولئك الصقور، الذين حاول الجمهوريون، في فترة ما، إبعادهم عن المسرح، لكسب الانتخابات الرئاسية، ولكنهم ظلوا الداعمين الأساسيين وراء الكواليس. عقوق نتانياهو (إسرائيل) قائم على مفهوم القوة، بمعنى أن مَن يمتلك القوّة يستطيع أن يستحوذ على كافة أدوات اللعبة، وهو الآن لديه قوة اقتصادية وقوة عسكرية بتفوق كاسح، ولديه قوة اليمين الإسرائيلي الذي يختبئ خلفه دائماً، وبالتالي هو الآن «سوبر قوي»، وكل التوقعات السابقة بأنه غير مرغوب به في البيت الأبيض، أو أن البيت الأبيض سيوبّخه، كالابن المدلّل، كل هذا كان تحليلات سياسية في إطار نظري، ولكن الحقيقة هي أن نتانياهو هو السيد. أمام هذا العقوق الإسرائيلي للأب والراعي الأميركي، ماذا نحن فاعلون؟ وهل لدينا خيارات لمواجهة الانسداد في الأفق السياسي؟ الإجابة هي أن الشعب الفلسطيني لم يفقد، في أية لحظة، الخيارات، وأهمها أن يشعر الابن الأميركي العاق، بأن سياسة الأمر الواقع، وإنْ تم فرضها، لا يمكن أن تصبح الحقيقة المطلقة. الخيارات الفلسطينية المؤلمة لعقوق نتانياهو، تتمثل بالتمكين الفلسطيني، داخلياً وخارجياً. داخلياً بمواصلة عملية بناء المؤسسات في كافة الأراضي الفلسطينية، بصرف النظر عن مسمياتها [أ، ب، ج] بمعنى خلق أمر واقع موازٍ لسياسة المحتل. وثانياً، الضغط من أجل تحقيق المصالحة الداخلية، لأن فصل غزة، وهو رغبة إسرائيلية منذ عهد شارون، أحد الأسباب الرئيسة في إضعاف الموقف الفلسطيني، هذا الأمر الذي يتجاهله أو لم يدركه الواهمون ببناء الدولة «الإمارة». خارجياً نلحظ حراكاً دولياً بعيداً من رؤية واشنطن للحل، وهو قائم على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، أي بحدود العام 1967، هذا الاعتراف، إذا تطوّر، وضم دول الاتحاد الأوروبي، خلال الأشهر المقبلة (وهو يحتاج ديبلوماسية فلسطينية واعية ومكثفة) مع استمرار المد الجماهيري الغربي، المتعاطف مع الشعب الفلسطيني وقضيته، يوصلنا إلى نقطة من التوازن مع الابن الأميركي العاق، وربما تكون هناك لحظة وعي للإسرائيليين، من أجل إحداث تغيير، حتى نستطيع القول إن هناك شريكاً إسرائيلياً، أو إن هناك إرادة إسرائيلية للحل!