«بين عاصفتين» امضى اللبنانيون يوماً جديداً من يومياتهم الزاخرة بالتطورات. ففي وقت تتواصل العاصفة السياسية على جبهة المحكمة الدولية ومتفرعاتها، أتت العاصفة الثلجية لتفرض تفاصيلها وتحول الانظار موقتاً عن العاصفة الاولى، فتحل صور الثلج في مقدمات نشرات الاخبار التلفزيونية قبل صور السياسيين على اختلافهم، وتحل اصوات امواج البحر تتكسر على ارصفة الموانئ وتحمل معها مراكب الصيد الى عرض البحر، محل اصوات السياسيين وصراخهم. غير أن العاصفة التي أمل اللبنانيون بأن تكون حملت الخير الى بلدهم بعد تأخر الشتاء عن موعده، لم تأتِ من دون أضرار، اذ توفيت الموا؛نة رولا يمق في طرابلس في شمال لبنان اثر سقوط شجرة على سيارتها، كما أدت الى خسائر بالغة في المزروعات والموانئ والى قطع الطرق والتيار الكهربائي في اكثر من منطقة. فقد استمر لبنان أمس، لليوم الثاني على التوالي، وبعد طول انتظار، تحت تأثير عاصفة ثلجية قوية حولت الطرق مستنقعات كبيرة وبركاً من المياه، وتوقفت حركة الملاحة في المرافئ، وسط حال تأهب للقوى الامنية والدفاع المدني تحسباً لأي طارئ. وتوقعت مصلحة الارصاد الجوية في ادارة الطيران المدني ان يكون الطقس اليوم غائماً وماطراً مع عواصف رعدية وتساقط ثلوج على ارتفاع اقل من 1000 متر، وحصول انفراجات في فترة بعد الظهر. وأدت العاصفة الى اضرار مادية كبيرة في الممتلكات والمزروعات والمؤسسات والخيم البلاستيكية في المناطق الساحلية والجبلية والى اقفال مرفأ صيدا وتحطم جزء كبير من حائط الدعم للسنسول الغربي للمرفأ. كما أدت الى غرق عدد من سيارات الموظفين المتوقفة على الرصيف، وتحطم عدد كبير من مراكب صيادي الاسماك في بيروت وصيدا وصور وجبيل وضبية والعبدة. وتسببت شدة الرياح بوقوع عدد من اللوحات الاعلانية والاشجار في مناطق ساحلية وجبلية عدة ما ادى الى قطع طرق، والى وقوع شرفات منازل واعمدة كهرباء على الممتلكات والسيارات. ومنذ الصباح تكدست الثلوج التي تواصل هطولها على ارتفاع 700 متر خلال النهار في مناطق البقاع والشمال والجبل، وبلغت سماكة الثلوج على طريق حمانا - المديرج اكثر من 30 سنتيمراً، ووصلت الثلوج الى مشارف منطقة عاليه، لكنها لم تقطع الطريق الدولية. ومنع السائقون المتوجهون الى المناطق الداخلية من السير ما لم تكن سياراتهم مجهزة بسلاسل معدنية. في حين طلبت قوى الامن الداخلي من المواطنين عدم سلوك طرق: عيون السيمان، حدث بعلبك، افقا، معاصر الشوف، كفرشوبا، ينطا، دير العشائر، الأرز، اللقلوق، تنورين، كفرذبيان، عيون السيمان، القموعة، القبيات والهرمل. وسيرت قوى الامن الداخلي في المناطق الاكثر تضرراً دوريات، في اطار خطة لمساعدة الاهالي عند حدوث اي طارئ. في حين لوحظ تهافت كبير على شراء المحروقات، خصوصاً في البقاع والشمال حيث فقد المازوت في بعض المحطات. الى ذلك، سيّر الجيش اللبناني دوريات في الطرق الرئيسة وكان جنوده في المراكز الثابتة وعلى الحواجز في حال جاهزية للتدخل ومساعدة المواطنين في حال حصول اي طارئ. كذلك استنفرت مخافر قوى الامن الداخلي ومراكز الصليب الاحمر اللبناني والدفاع المدني للتدخل والمساعدة عند الضرورة. تفقد ووعود بالمعالجة وأجرى رئيس الجمهورية ميشال سليمان منذ الصباح سلسلة اتصالات بعدد من الوزراء والمسؤولين في الاجهزة المعنية لمتابعة العاصفة. واطلع على آخر معطياتها وأضرارها، وعلى الخطط الموضوعة لمواجهة تداعياتها وفق الامكانات المتاحة بما يؤدي الى سلامة المواطنين والحد من الخسائر المادية قدر الامكان. واطّلع رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري من رئيس لجنة الاشغال النيابية محمد قباني الذي تفقد ميناء «داليا» في الروشة على الأضرار الناتجة من العاصفة في مرفأ الصيادين في بيروت، وأعطى توجيهاته للهيئة العليا للإغاثة لمسح الأضرار. وأكد وزير الاشغال العامة والنقل غازي العريضي في حديث الى «صوت لبنان» ان فرق الوزراة مستنفرة وتتابع تنظيف المجاري على الطرق، مؤكداً أن المعالجة مع البحر صعبة وشبه مستحيلة. ولفت الى أن «المسألة الأخطر اضافة الى ما يجرى في مرفأ صيدا، هي مرفأ جبيل، حيث غير ممكن القيام بأي عمل في ظل هذه العاصفة»، آملاً بالا تكون الاضرار خطيرة، «لكن سيكون هناك فريق عمل من قبل الوزارة للكشف على الوضع واتخاذ القرار المناسب لحماية مرفأ جبيل»، وتحدث عن اجراءات استثنائية اتخذت «فأوقفنا حركة الملاحة البحرية في مرفأ بيروت بالامس، وابعدنا البواخر الكبرى، وما زالت الحركة متوقفة الى حد معين، لكن البحر هو اخطر وليس هناك امكان للمغامرة في البحر والقرارات الارتجالية لا تنفع». وأشار الى ان «الاجراءات الاحترازية ادت غرضها، والكل مستنفر في مطار بيروت، واذا كانت هناك ضرورة لوقف الملاحة الجوية سنتخذ القرار». وكان قباني التقى الصيادين الذين احتشدوا في الميناء بعدما تسببت العاصفة بتدمير اكثر من 75 مركباً للصيد. وأشار قباني الى أن «العاصفة أصابت كل الشواطئ اللبنانية، وبالنسبة الى بيروت، قمت بجولة لتحديد الاضرار في موانئ عدة، لكن الكارثة الاساسية هي في ميناء داليا حيث تحطم كل شيء والأضرار كبيرة جداً». وأشار الى أن «الحادثة تتكرر كل سنة ونتصل دائماً بالهيئة العليا للاغاثة ويتم التعويض، لكن الحادثة هذه المرة أكبر»، معلناً أنه سيتصل بالهيئة العليا للاغاثة لتسرع بالكشف على الاضرار «لكن التعويض لا يكفي. الحماية هي المطلوبة. وفي آخر حكومة للرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 2004 تم اقرار مبلغ بليون ومئتي مليون ليرة، وتم ايضاً تلزيم هذا المشروع لانشاء سنسول ثانٍ لان سنسولاً واحداً لا يكفي، ولم يتم تنفيذ شيء هنا ولا في المناطق الاخرى». متابعة اضرار الحرائق على صعيد آخر، تفقد المكلف بالامانة العامة لرئاسة الجمهورية انطوان شقير موفداً من الرئيس سليمان منطقة فتري التي تعرضت للحرائق الاسبوع الماضي، واطلع من المجلس البلدي برئاسة عماد ضو والمختار فرنسيس كامل على الاضرار التي لحقت بالثروة الحرجية والمزروعات وبعض الممتلكات. وأوضح رئيس البلدية ان «النيران التي اندلعت على مدى خمسة ايام متواصلة والتي اخمدتها الامطار تسببت بخسارة اكثر من ثلثي مساحة احراجنا والتهم الحريق مساحة مليون ومئتي الف متر مربع من اشجار الصنوبر والسنديان والزيتون ودوالي الكرمة واللوز فضلاً عن احتراق عدد من قفران النحل التي يعول عليها ابناء البلدة»، مشيراً الى ان «هناك اسباباً ساهمت في اطالة الفترة الزمنية للحريق لا سيما ضيق الطريق العام الذي كان عائقاً في وصول آليات الدفاع المدني الى امكنة اندلاع النار المستعرة وبالتالي فإن مآخذ المياه ضعيفة اذ كان خزان الاطفائية يستغرق اكثر من ساعة لتعبئته». وطالب بضرورة «توسيع الطريق العام للبلدة واعادة تحريج المساحات المحروقة وتقوية مآخذ المياه واعادة بناء الجدران المهدومة وانشاء مركز دفاع مدني في البلدة وازالة الاحجار والاتربة التي طمرت طريق فتري نهر ابراهيم يحشوش حتى تعود سالكة امام السيارات». ونقل شقير وعد سليمان ب «العمل الحثيث مع الوزارات المعنية ولا سيما الداخلية والبلديات والاشغال والبيئة والزراعة لتلبية هذه الاحتياجات المحقة بأسرع وقت ممكن خصوصاً على صعيد اعادة التحريج وانشاء مركز دفاع مدني».