مواجهة ب «رماح صغيرة» تدور رحاها بين باريس ولوس أنجليس قبل خمسة أشهر من إختيار المدينة المنظّمة لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية عام 2024. وما حدث في آرهوس الدانمركية خلال منتدى «سبور أكور» أخيراً، يجسّد هذا التشبيه من ناحية العلاقة التي تتجه منطقياً إلى البرودة الشديدة. الثلثاء الماضي وقبل دقائق من موعد تقديم كل من وفدي المدينتين المرشحتين عرضه، تقدّم عمدة لوس أنجليس إريك كارشيتي من نظيرته الباريسية آن هيدالغو وطبع قبلة على خدها «عربون صداقة وتشجيع». لكن المراقبين لم يطمئنوا لهذا التصرّف، واعتبروا أنه لا ينم عن حقيقة التشنّج بين المعسكرين، لا سيما بعد واقعة ال «فايسبوك» الأخيرة، واتهام باريس لوس أنجليس ب «شراء» متابعين ومعجبين تجاوز عددهم المليون شخص، بعدما كان 209 آلاف في مطلع كانون الثاني (يناير) الماضي، في مقابل 235 ألف «مؤيّد» لملف العاصمة الفرنسية. وأورد راديو «أر تي أل» ومكتب وكالة «أسوشيتد برس» في باريس أن «حملات شراء» لهذه الغاية نظّمت في بنغلادش وباكستان وبلدان أفريقية وشرق أوسطية، يمنع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مواطني بعضها من دخولهم أراضي الولاياتالمتحدة. وإذا كان القيّمون على ملف لوس أنجليس نفوا هذه الاتهامات مصوّبين نحو باريس، أكّد متابعون أن جدار الجليد يزداد سماكةً، مقارنة مثلاً بالحال قبل سنة في الجزائر، حين تشارك الوفد الباريسي الطعام مع نظيره ال «لوس أنجليسي» وسفيرته بطلة السباحة السابقة جانيت إيفانز. كما تبادل الوفدان أطراف الحديث دقائق عدة خلال مؤتمر اللجان الأولمبية الوطينة «أكنو»، الذي عقد في الدوحة خلال تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. الآن، أصبح التواصل مجرّد تحية عابرة، وأضحت التعليقات لاذعة وتحمل غمزاً «جافاً». فقبل أيام وصف رئيس ملف ترشّح لوس أنجليس كايسب واسرمان تصريح عضو اللجنة الباريسية طوني إستانغيه ب «الإنذار»، ومفاده أن الفرنسيين غير مهتمين بنسخة 2028. وردّ الفرنسيون التحية ل «خصومهم» بإرفاق نسخة من صحيفة «نيويورك تايمز» مع كتيّب ترويجي ل «باريس 2024». فاعتبر عضو لجنة التواصل في ملف لوس أنجليس جون تيبس ومسؤول الصحافة جف ميلمان، هذا التصرّف «مخالفاً للقواعد». ولا تستغرب رئيسة بلدية باريس آن هيدالغو هذه التطورات، بإعتبار «أننا في منافسة، وكل منا يريد الفوز. من الطبيعي أن يسفر عن ذلك نوع من الاحتكاك، هو جزء من اللعبة التي نخوضها باحترام. ولن يُفسد للود قضية». والاحتدام يتضاعف أساساً في ضوء طرح اللجنة الأولمبية الدولية، وجسها النبض لتعديل يمكّن من التصويت للنسختين معاً في 13 أيلول (سبتمبر) المقبل في ليما، مع «مخرج» يمنح المدينة الخاسرة تنظيم ألعاب 2024 استضافة دورة 2028، ما يكفل «استقراراً» تتطلّع إليه اللجنة الدولية، طالماً أن المدينيتن فقط تتنافسان. ويشدد الجانب الفرنسي على أنه يعمل لدورة 2024، ملمّحاً إلى أن لا شيء مضموناً لما بعد هذا التاريخ إذا لم ينل شرف الاستضافة، فهناك عقارات «جمّدت» بغية إنشاء القرية الأولمبية والمدينة الإعلامية، وتقدّر ببليون يورو، وقد لا يمكن إبقاؤها في تصرّف المعنيين إذا «أعطيت» باريس ألعاب 2028، خصوصاً أن عهداً رئاسياً جديداً يبدأ في الشهر المقبل، وقد تكون سياسته ونظرته إلى الأمور مختلفتين، في حين أن التعهدات لدورة 2024 تبقى سارية المفعول. في المقابل، يُظهر الجانب الأميركي ديناميكية عملية مروّجاً للسنوات المئة المقبلة بدل الحديث عن إرث قرن مضى. كما يمكنه «نسخ» ملفه كاملاً لدورة 2028 مع الأرباح الموعودة، إذ لا إنشاءات في طور التصميم والبناء. وفق مراقبين، أنهى الطرفان مهمتهما في آرهوس بالتعادل، مع اقتناع كثر بصلابة الملف الأميركي وحيوية الفرنسي، ولو أن «باريس 2024» يحمل سمات عاطفية أكثر، وهذا ما ينشده القائمون عليه، لضمان أنه حان موعد عودة الألعاب بعد 100 عام، وتفادي «ازدواج» الإختيار. علماً أن التجارب غنية بملفات كانت محلّقة وسقطت قبل الأمتار الأخيرة. والسؤال الملّح هل من المعقول رفض فرصة «ذهبية» لدورة 2028 إذا لم تجر الرياح وفق مشتهى سفن الترشّح، وباعتبار أن فتح الباب مجدداً وفق القواعد العادية لهذه النسخة قد لا يصب في مصلحة الطرف الرافض. لكن جهات تنسج لتفاهم يخرج الجميع رابحاً في نهايته، وإن لن تتضح معالمه كاملة قبل العرض المقبل المقرر يوم 11 تموز (يوليو) في لوزان، حيث سيتاح لكل ملف مدة 45 دقيقة ليصول القائمون عليه ويجولوا.