انطوت جلسة المناقشة العامة لسياسة حكومة الرئيس سعد الحريري في المجلس النيابي أول من أمس وأمس، على وقائع سياسية وفضائحية عدة، تناولت مجالات عدة من مظاهر الفساد الذي يعاني منه لبنان وتلغط به الألسن. وتخشى مصادر نيابية وسياسية أن تبقى في إطار الاستعراض السياسي الانتخابي والمسرحي، على رغم أن الحريري أكد نية محاربته. ومع أن رئيس البرلمان نبيه بري كان وعد في بيان أصدره في 18 الشهر الماضي بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية «لكشف الفساد والمفسدين ومحاكمتهم»، فإن الجلسة انتهت بالاكتفاء بالتوضيحات التي قدمها الحريري في بيان الرد في آخر الجولة المسائية للجلسة على مداخلات النواب الذين أثاروا تلك الوقائع. وأبرز تلك الوقائع ما أعلنه النائب روبير غانم عن أن مسؤولاً كبيراً طلب من شركة «إيني» النفطية الإيطالية مبلغ 100 مليون دولار أميركي عمولة على تمكينها من الفوز بعقد التنقيب في 3 بلوكات في البحر تحوي غازاً، والذي عاد النائب بطرس حرب وقال إن صحيفة نشرت أن «إيني» انسحبت من المشاركة في المزايدة على التنقيب عن النفط بعدما طلب منها مسؤولون مبلغ 300 مليون دولار لإيكال عقد التنقيب إليها. أما في ملف الكهرباء فإن مداخلتي رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل وحرب قد طرحتا أسئلة عن خطة النهوض بهذا القطاع وقرار استئجار باخرتين جديدتين لإنتاج الكهرباء على مدى 5 سنوات، قال الأول أن أسعارها (بليون و886 مليون دولار أميركي) وفق ورقة تحمل «لوغو» وزارة الطاقة، عن عرض قدمته الشركة المعنية بإرسال الباخرتين، فيما هذا السعر يفوق عقداً أبرمته الشركة نفسها مع غانا بقيمة 800 مليون دولار. فضلاً عن أن سعرها لدولة باكستان يقل عن المبلغ الذي سيدفعه لبنان لها أيضاً. وأوضح الجميل وقبله حرب أن التفاوض جرى مع الشركة على هذا السعر بالتراضي، (خلافاً لقرار الحكومة إجراء مناقصات) أستناداً إلى المستند الرسمي الذي عرضه، موضحاً أن تكلفة الباخرتين تسمح بتشييد معملين جديدين لإنتاج الطاقة. كما أن إثارة النائب في «حزب الله» لقبض بعض الوزراء ملايين الدولارات على توقيعهم على مشاريع معينة، اقتصر رد الحريري على الدعوة إلى تسمية الوزير والإتيان بالدليل «لأن اذا كنتم لا تعرفون الوزير، وليس لديكم دليل، تكونون كمن يحمي الفاسد الحقيقي، بالتعميم. والأهم أنكم تضربون صورة بلدكم ودولتكم، أمام اللبنانيين وأمام العرب والعالم، في وقت يحتاج لبنان لكل ميليغرام ثقة». هذا في وقت لا تتوقف أخبار الصالونات والأندية السياسية عن التداول بقبض هذا الوزير أو ذاك، أو معاونيه، عمولة على هذا التلزيم والمشروع، أو ذاك. في موضوع العمولة التي طلبها مسؤولون وفق زعم إحدى الصحف اكتفى البرلمان بما قاله بري ووزير مكافحة الفساد نقولا تويني عن أنهما طلبا توضيحاً من الحكومة الإيطالية والسفارة في بيروت، وبأن شركة «إيني» ستصدر توضيحاً للأمر. أما في موضوع استئجار الباخرتين الجديدتين لرفع التغذية بالكهرباء، بدءاً من الصيف، فقد أخذت مصادر نيابية على الحريري أنه لم يتوقف أمام الفارق في الأرقام التي طرحها الجميل، واكتفى ووزير الطاقة سيزار أبي خليل بالقول إن المستند الذي عرضه الجميل مذيلا بشعار وزارة الطاقة عن الأسعار الشديدة الارتفاع، لم يعرض على مجلس الوزراء. لكن مصادر نيابية قالت ل «الحياة» إنه تبين في المداولات الجانبية خلال الجلسة أن هذا المستند صحيح ويعود إلى وزارة الطاقة حين فاوضت الشركة المعنية عام 2016 على التزود من بواخرها بالكهرباء. وأوحى ذلك بأن هناك اتفاقاً مسبقاً على العقد مع شركة البواخر بدليل قول نائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان أن من أعطاها الإذن بالإبحار (نحو الشاطئ اللبناني) فليدفع لها من جيبه، ووزراؤنا لن يسمحوا بذلك، مشدداً على التلزيم وفق الأصول. وكلامه جاء قبل مداخلتي الجميل وحرب. ولاحظت مصادر نيابية أن الحملة على الفساد التي تناولت الإدارة والقضاء ووجوب تفعيل الهيئات الرقابية والعودة إلى أصول المناقصات والتلزيمات عبر هيئة إدارة المناقصات، تركزت على عمل وزارة الطاقة (النفط والكهرباء) التي تولاها منذ 10 سنوات وزراء من «التيار الوطني الحر» أو حلفائه. وأوحت هذه المصادر بأن الهدف كان وضع هؤلاء في موقع المساءلة (سياسياً) قياساً إلى تركيز «التيار» على محاربة الفساد. ولم تستبعد مصادر نيابية أخرى أن يشمل الهدف إحراج الحريري لتعاونه الوثيق مع «التيار» منذ التسوية على دعمه تبوؤ العماد ميشال عون الرئاسة، حيث يأخذ عليه البعض مسايرته لما يطرحه «التيار». تويني: الشركة الايطالية لا علم لها بالرشى أعلن وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني أنه «التقى مساء الجمعة بعد جلسة المجلس النيابي، السفير الإيطالي لدى لبنان ماسيمو ماروتي وبحث معه في شأن ما زعمته بعض الوسائل الإعلامية وتم التطرق إليه في المجلس من قبل النائب بطرس حرب مفادها أنه ثمة من طلب من السياسيين (شركة «إيني») رشوة لتسهيل الحصول على العقود». وأشار الى أن السفير أكد لهم أن «الشركة الإيطالية المسماة لا علم لها بتاتاً بكل ما يزعم من أقاويل حول هذا الموضوع، علماً أنها شركة معروفة وتلتزم القوانين المرعية ومعاهدات الشفافية ومكافحة الفساد الإيطالية الأوروبية والدولية واللبنانية». وأصر تويني على السفير الايطالي بالمزيد لو توافر في هذا الخصوص «منعاً لأي استغلال سياسي أو مصلحي أو فئوي بمسألة بهذه الحساسية الوطنية ولبنان على مشارف إطلاق دورة التراخيص للاستكشاف والتنقيب».