يبدو نيكولا ريبوبيه (29 سنة) للوهلة الأولى شاباً فرنسياً عادياً. فهو مولود في الجنوب الفرنسي من أبوين فرنسيين ولدا وعاشا في المغرب فترة من حياتهما، ويقيم اليوم في باريس حيث يدير صالة «كوزموس» (الفلك) للسينما والمسرح في ضاحية فونتنيه سو بوا الباريسية الشرقية. لكن حكايته المملوءة بالمغامرات على رغم حداثة سنه، تشكل بلا شك حدثاً في عالم الفن الحافل بالمطبات بالنسبة إلى شاب لم يتمتع أساساً بأدنى علاقة مع الفنانين. وعرف في سنوات قليلة كيف يفرض نفسه على الوسط الفني وفي أكثر من زاوية من المهنة، بمعنى أنه يدير قاعة ويقرر ما تقدمه من عروض، فضلاً عن ممارسة مهنة الإخراج. أحب ريبوبيه السينما والمسرح في المراهقة، وقرر أن يفعل في المستقبل مثل هؤلاء الذين أثاروا مخيلته وغذّوا أحلامه من خلال الأفلام والمسرحيات التي أخرجوها. وبما أن المدينة الريفية الصغيرة التي كان يسكنها (ريبوبيه) مع أهله بالقرب من تولوز (جنوبفرنسا) لم تبرمج في صالتها الوحيدة إلا عدداً محدوداً جداً من الأعمال السينمائية والمسرحية. ذلك أن الصالات في الريف الفرنسي، خصوصاً في المدن الصغيرة، تقدم الأفلام في أيام ومواعيد محددة وكذلك المسرحيات في أيام ومواعيد مختلفة. شعر المراهق بالنقص وراح يمارس القراءة من أجل أن يعوض الحرمان الفني المفروض عليه. وهكذا التهم ريبوبيه كميات كبيرة من الكتب التي تروي سيرة كبار السينمائيين والمسرحيين في فرنسا والعالم كله، وكان يطلب بعض هذه الكتب بالمراسلة من مكتبة باريسية بسبب عدم توافرها في مكتبة مدينته. وشعر ريبوبيه ذات يوم بضرورة اتخاذ القرار الحاسم في شأن مستقبله. فأتى إلى باريس بموافقة أهله لينتسب الى معهد السينما ويتعلم الإخراج. لكن الحصص لم تشبع حاجته الملحّة إلى تعلم كيفية إدارة الممثلين والدفع بهم إلى تقديم أفضل ما عندهم من موهبة في خدمة دور محدد، فهذه في رأيه مهمة المخرج ولا تعلم في المعاهد حيث تركز الجهود على الجانب التقني من الإخراج. أحس ريبوبيه بخيبة أمل وترك التعليم الفني ليعود إلى الريف ويكسب لقمته من طريق العمل في ميدان البناء المعماري. وهنا وجد نفسه مسؤولاً عن فريق من العمال، وراح يقارن هذه المسؤولية بتلك التي يمارسها المخرج... وبدأ فيروس الفن ينساب مرة ثانية في عروق الشاب الفرنسي الطموح الذي ترك كل شيء ليعود مجدداً إلى العاصمة ويسعى إلى نسج بعض العلاقات في المهرجانات الفنية الصغيرة ثم الأكبر، إلى أن عثر على إمكان السفر إلى لندن لإجراء تحقيق مصور عن فيلم بريطاني كان يتم إنجازه. وفي لندن، تعرف ريبوبيه إلى النجمين أورلاندو بلوم وماثيو غارفيلد وصور تحقيقه ونال له تقديراً وعاد إلى فرنسا مقتنعاً بأن الشهادة البريطانية كانت ستفتح أمامه أبواب الفن السابع الباريسي. لكنها لم تفعل، وعلى الأقل ليس بالأسلوب الذي توقعه وأراده ريبوبيه، لكنها سمحت له بالتعرف إلى الكثير من العاملين في السينما والمسرح، وجلبت له إمكان إدارة قاعة جميلة تضم 200 مقعد يبرمجها ريبوبيه على طريقته الخاصة مجازفاً في أحيان بوظيفته بسبب إعجاب الجمهور بالأعمال المقدمة في هذه الدار والتي لا تنحصر في الأفلام الهوليوودية أو الفرنسية التجارية البحتة، بل تشمل المسرحيات الكوميدية الساخرة. فهناك في الأسبوع الأخير من شهر كانون الأول (ديسمبر) الجاري مثلاً، الفيلم الفلسطيني FIX ME (صلحني) للسينمائي رائد أنضوني. ويأمل ريبوبيه في لفت جمهور صالته إلى وجود سينمائيين عباقرة من طراز وودي آلن وغيره في العالم العربي، خصوصاً فلسطين. وهو سيعتبر نفسه حقق إنجازاً إذا نجح في ملء القاعة طوال فترة عرض هذا الفيلم. وما يفعله ريبوبيه دورياً وكان يتمنى تحقيقه على صعيد الفيلم الفلسطيني هو دعوة المخرج أو أبطال الفيلم أو المسرحية بحضور ناقد سينمائي فرنسي أو أجنبي مقيم في باريس، لإحياء لقاء مع الجمهور عقب أحد العروض.