جدد الهجوم الإرهابي الذي نفّذه خالد مسعود على جسر وستمنستر وسور البرلمان البريطاني، الشهر الماضي، الجدل الدائر في بريطانيا منذ سنوات في شأن استراتيجية الحكومة في مجال مكافحة الإرهاب، لا سيما لجهة النجاح، أو الفشل، في كسب المجتمع المسلم للوقوف في وجه المتشددين. ويعتبر مؤيدو الحكومة أن استراتيجيتها لا بدّ وأن تكون ناجحة بدليل فشل الجماعات المتشددة، مثل «داعش» أو «القاعدة»، في شن أي هجوم إرهابي كبير على الأراضي البريطانية منذ آخر هجوم من هذا النوع عام 2005، عندما فجّر أربعة شبان مسلمين ثلاثة قطارات أنفاق وباصاً للنقل العام. أما منتقدو الحكومة فيقولون إن استراتيجيتها فشلت بالتأكيد بدليل سفر مئات البريطانيين للقتال إلى جانب متشددين في مناطق نزاعات، مثل سورية والعراق، وأيضاً بدليل أن عدم وقوع هجمات جديدة مرده فقط إلى نجاح أجهزة الأمن في إحباطها قبل حصولها، في إشارة إلى الإعلان عن إحباط 13 مؤامرة إرهابية كبرى خطط لها متشددون خلال السنوات الخمس الماضية. ولا شك في أن مناصري الحكومة ومعارضيها قادرون على «الانتقاء» من بين الإحصاءات المختلفة المتوافرة أدلة تدعم رأيهم، سواء لجهة نجاح استراتيجية مكافحة الإرهاب، أو فشلها. وقد شكّل هجوم خالد مسعود في قلب لندن، في الواقع، مناسبة لإعادة طرح قضية هذه الاستراتيجية المثيرة للجدل والمعروفة باسم «بريفنت» («المنع») من زاوية محددة، وهي الشكوى المتكررة الصادرة من المجتمع المسلم في خصوص أن السياسات الأمنية للحكومة تستهدف المسلمين تحديداً، وتُساهم في تأليبهم ضدها بدل جذبهم إلى صفها. وقد صدر في هذا المجال موقف سلبي لافت من شخصية يُفترض أنها تعرف بالتمام ما هي خطط الحكومة تجاه المجتمع المسلم، كما تعرف بالتمام ما هو رأي هذا المجتمع كونها تنتمي إليه. إنها سيّدة وارسي، البارونة التي تنتمي إلى حزب المحافظين الحاكم التي كانت أول وزيرة مسلمة في الحكومة السابقة برئاسة ديفيد كامرون. فقد كتبت وارسي كتاباً صدر قبل أيام بعنوان «العدو من الداخل» (the enemy within) تناولت فيه سياسات الحكومة تجاه المسلمين وعلاقة هؤلاء بدورهم في المجتمع البريطاني الذي باتوا جزءاً منه. وقالت في تصريحات قبل صدور كتابها: «أعتقد أن (استراتيجية) بريفنت، كعنوان، قد فشلت. إنها اسم مسموم (...). وأعتقد أن على تيريزا ماي (رئيسة الوزراء الحالية) أن تتوقف للحظة، وتعيد تقويم ما هي استراتيجية بريفنت. يجب أن يكون هناك وضوح: هل هي استراتيجية لمكافحة الإرهاب أو للتصدّي للتطرّف». وزادت أن وزراء في الحكومة كانوا هم من يلعب الدور المفترض أن يكون منوطاً بأجهزة الاستخبارات والشرطة في تقرير سياسة بريطانيا في مجال مكافحة التشدد، في إشارة إلى وزراء أبرزهم مايكل غوف الذي كان شخصية محورية في حكومة كامرون، وكان معروفاً عنه رأيه المتشدد في خصوص التطرّف الإسلامي (استبعدته ماي من حكومتها). وعلى رغم أن استراتيجية مكافحة الإرهاب تُطبّق منذ سنوات طويلة (بعد هجمات 11 أيلول- سبتمبر 2001)، إلا أن تعديلات جديدة عليها باتت تفرض، منذ عام 2015، ما يُعرف ب «واجب المنع» الذي يُلزم موظفي القطاع العام، مثل المعلّمين والأطباء، أن يبلّغوا عن الأشخاص الذين يشعرون بأنهم «ينجذبون» إلى الإرهاب. وتسبب هذا الإلزام بجدل واسع، إذ بات الأساتذة يرفعون تقارير بتلاميذهم إذا ما سمعوا منهم كلاماً يوحي بتأييد للإرهابيين، والأطباء يقدّمون تقارير مماثلة عن مرضاهم وزملائهم. وغالباً ما تؤدّي هذه التقارير إلى تدخّل مجموعة من الوكالات الحكومية البريطانية تتراوح إجراءاتها بين إحالة الشخص المعني على برنامج «تشانل» المخصص لإقناع المحالين عليه بخطأ تبنيهم الأفكار المتطرّفة، أو وضع هؤلاء تحت رقابة الأجهزة الأمنية. وقد تصل الأمور إلى سجن الشخص المعني أو محاكمته ومنعه من السفر عبر مصادرة جواز سفره. لكن سياسة «بريفنت» كانت منذ البدء محل انتقاد في أوساط المسلمين الذين يقولون إنها تؤدّي إلى نتيجة معاكسة لما تهدف إليه، إذ إنها تنفّر المجتمع المسلم بجعله محل اتهام دائم من خلال تركيزها على «التطرّف الإسلامي» وتجاهلها التطرّف اليميني والعنصري (وهو أمر تنفيه الحكومة). كما يأخذ مسلمون على هذه الاستراتيجية أنها تدفعهم إلى التجسس على بعضهم بعضاً لمصلحة الشرطة وأجهزة الأمن. وفي الواقع، ليست استراتيجية «بريفنت» سوى جزء من الاستراتيجية العامة للحكومة في مجال مكافحة الإرهاب والمعروفة باسم «كونتست» (أو التحدّي). وتتألف من أربعة حقول عمل هي: «المتابعة» (pursue) التي تُعنى تحديداً بالشق الأمني وهدفها «وقف الهجمات الإرهابية»، «المنع» (بريفنت) (prevent) وهدفها «منع الناس من أن يصبحوا إرهابيين أو أن يدعموا الإرهاب»، «الحماية» (بروتكت) (protect) وهدفها تعزيز حماية بريطانيا من هجمات إرهابية، و «الاستعداد» (بريبير) (prepare) وهدفها التقليل من تأثير أي هجوم إرهابي يمكن أن يحصل. وليست هناك شكاوى من المسلمين سوى في ما يتعلق بالشق المعني ب «المنع» (بريفنت). وقد سعت الحكومة إلى الاستجابة لهذه الشكاوى، وعدّلت في استراتيجيتها من خلال التأكيد أنها تستهدف «كل أنواع الإرهاب» (وليس فقط الإرهاب المرتبط بالتشدد الإسلامي)، مع «التركيز على بعض أوجه التشدد الذي لا يستخدم العنف لكنه يوجد الظروف الملائمة لجذب الناس كي يصيروا راديكاليين». هل كان هجوم خالد مسعود على جسر وستمنتسر نتيجة لفشل استراتيجية الحكومة في مجال مكافحة الإرهاب، وتحديداً فشلها في استمالة المجتمع المسلم؟ ربما أخذ مسعود سره معه، لكن هجومه أعاد فتح النقاش حول استراتيجية تشكو منها شرائح من المسلمين البريطانيين، وتتمسّك بها حكومتهم.