يُعدُّ سلمان بت في نظرِ جهاتٍ بريطانية بينها الحكومة متطرفاً تتناقض آراؤه في الإسلام مع القيم الوطنية وتسهم في ترسيخ أجواءٍ يمكن للمتشددين استغلالُها في استمالة الشُبَّان. ورغم أن الرجل الثلاثيني ليس متهماً بدعم جماعاتٍ متطرفةٍ أو أعمال عنف؛ فإن لندن تعتقد أن تضييق الخناق على أمثاله وحرمانهم من منابر نشرِ أفكارهم هو السبيل الوحيد لمجابهة الخطر الذي يمثِّله المتطرفون والجماعات المماثلة لتنظيم «داعش» الإرهابي. لكن منتقدي هذا الاتجاه بمن فيهم جماعات الحقوق المدنية وأساتذة جامعيون كبار وبرلمانيون يقولون إن ما تحاول الحكومة فعله يرقى إلى فرض قيدٍ على حرية التعبير. ويحذر هؤلاء من خطر دق إسفين بين السلطات ومسلمي بريطانيا البالغ عددهم 2.8 مليون نسمة. كما يجادلون بأن الخطط الحكومية لن تزيد الأمر إلا سوءًا، فضلاً عن كونها ترقى إلى مستوى الاعتداء على الحريات الأساسية التي تريد الحكومة حمايتها. وقال سلمان بت (30 عاماً) الذي يقاضي الحكومة بسبب استراتيجيتها في التصدي للتطرف «على مدى السنوات القليلة الماضية؛ أخذت دائرة من يُعتبَر وما يُعتبَر متطرفاً في الاتساع ببطء». وتابع قائلاً «قبل ذلك؛ كان (المتطرف) مجرد شخصٍ يرتكب جرائم أو يدعو للعنف، ثم توسعوا أكثر فأكثر بما يشمل الناس العاديين الذين يتصادف أن ينتقدوا جوانب معينة من السياسة الحكومة أو يعتنقوا أفكاراً إسلامية محافظة معينة». والمشكلة التي تواجه بريطانيا وغيرها من الحكومات الغربية هي ذاتها المشكلة التي تصارعها تلك الحكومات منذ اعتداءات 11 سبتمبر عام 2001 في الولاياتالمتحدة. ويتلخص الأمر في كيفية منع الشبان من الاتجاه للفكر المتشدد، دون أن يبدو أنها تفرض رقابة على أصحاب الرأي الآخر. وغادر آلاف المتشددين، بينهم أكثر من 800 بريطاني، أوروبا متجهين إلى العراق وسوريا لينضم كثيرون منهم إلى تنظيم «داعش» الإرهابي. في حين أصبحت الهجمات الدامية الأخيرة في باريس وبروكسل ونيس شاهداً حياً على الخطر الذي يمثِّله بعض من أغراهم العنف. وتسلَّط الضوء من جديد على هذه المسألة بعد الكشف يوم الثلاثاء عن إدانة أنجم تشودري ب «دعوة أتباعه» إلى دعم تنظيم «داعش» الإرهابي. وأدين تشودري، الذي يعدّ من أبرز الدعاة الإسلاميين في بريطانيا، الشهر الماضي. لكن القرار القضائي لم يُنشَر إلا أمس الأول لتجنب التأثير على هيئة المحلَّفين في قضيةٍ أخرى، أما الحكم فيصدر الشهر المقبل. ووضعت هذه الإدانة نهايةً لسنوات عديدة كان فيها المدان زعيماً لمنظماتٍ محظورةٍ، علماً أنه كان يتفادى تقديمه إلى محاكمة بالتدقيق في اختيار ما يدلي به من تعليقاتٍ على الملأ. وأثار منتقدون شكوكاً في السبب الذي جعل السلطات تستغرق فترةً طويلةً في التحرك ضد شخصٍ ظلَّ على مدى عقدين من الزمان إحدى الشخصيات البارزة في تيار التشدد. وأتباع تشودري (49 عاماً) متهمون بأنهم شاركوا في مؤامراتٍ نفذها متطرفون وأعمالِ عنفٍ في مختلف أنحاء العالم. وعلَّقت «صن»، أوسع الصحف البريطانية انتشاراً، بمقالٍ جاء فيه «يجب عدم التساهل بأي شكل من الأشكال مع أي رجل دين ينادي بآراء متطرفة ويرفض القيم البريطانية سواءً كان مسلماً أو غير ذلك. لقد تساهلت بريطانيا لفترة طويلة جدا مع أمثال تشودري من الرجال». وبالنسبة لكثيرين؛ فإن التصدي للتطرف يعني عدم التهاون بعد الآن مع من يرفضون القيم البريطانية من الديمقراطية وحرية التعبير والمساواة وسيادة القانون. وفي خطابٍ ألقته في فبراير الماضي حينما كانت وزيرةً للداخلية؛ حذَّرت رئيسة الوزراء البريطانية الحالية، تيريزا ماي، قائلةً «حيث لا يجد التطرف غير العنيف من يقف في وجهه؛ تتفتت القيم التي تربط مجتمعنا معا». واعتبرت أن التطرف، وإن كان «لا يؤدي بالضرورة إلى العنف»، فإنه «يخلق بيئةً يمكن لمن يسعون لتفريقنا أن ينجحوا فيها». وكانت ماي أثناء شغلها منصب وزير الداخلية مسؤولةً عن وضع مشروع قانونٍ لمكافحة التطرف. ويفرِض المشروع حظراً على الأفراد أو الجماعات التي تعتبر متطرفة، ويتيح غلق الأماكن التي ينشط فيها المتشددون «بما في ذلك المساجد». مع ذلك؛ لا يوجد ما ينم عن التحرك في اتجاه إصدار هذا التشريع، بينما علَّقت وزارة الداخلية «سيصدر في الوقت المناسب». وإحدى العقبات التي تقف في طريق القانون المحتمَل هي وضع تعريف لمن هو المتطرف وما هو التطرف. واعتبرت نائب حزب العمال المعارِض ورئيسة اللجنة البرلمانية المشتركة لحقوق الإنسان، هارييت هارمان، تقديم تعريفٍ واضحٍ للتطرف مهمةً عسيرةً، مشيرةً إلى عدم نجاح الحكومة حتى الآن في إنجاز هذا الأمر. بل إن وزير المالية، فيليب هاموند، اعترف في مايو الماضي بأن «هذا الأمر حقل ألغام». ووصف «الخيط بين السلوك المقبول وغير المقبول» ب «رفيع ومحفوف بالمخاطر». وفي سبتمبر الماضي؛ كان سلمان بت الذي يدير منتدى على الإنترنت باسم «إسلام 21 سي» من أوائل من ركَّزت عليهم خطواتٌ راميةٌ إلى تضييق الخناق على المتطرفين ممن لا يلجأون للعنف. جاء ذلك بعد تحرٍ من جانب وحدةٍ سريةٍ مشكَّلةٍ من إداراتٍ حكوميةٍ مختلفةٍ بغرض «تحليلات التطرف» و»تحديد مصادر القلق من الجماعات والأفراد». وورد اسم هذا الناشط الحاصل على درجة الدكتوراة في الكيمياء الحيوية في بيانٍ صحفي صدر عن مقر الحكومة في داوننج ستريت. وجاء في البيان، الذي تحدث عن «خطباء الكراهية»، أن هذا الرجل واحدٌ من 6 شخصيات ألقت خطباً في جامعات و»ثبُت أنها أبدت آراءً تتعارض مع القيم البريطانية». وذكر تفسيرٌ، قدمته الحكومة لاحقاً إلى البرلمان، أن الرجل شبَّه فيما يبدو المثلية الجنسية بالاعتداء الجنسي على الأطفال، كما ألقى خطباً جنباً إلى جنب مع شخصياتٍ من منظمة «كيدج» التي ازداد الاهتمام بها لما ربطها من اتصالاتٍ بمحمد إموازي. والأخير متطرف بريطاني عُرِف باسم «الجهادي جون»، وظهر في مقاطع فيديو نشرها «داعش» وهو يذبح أسرى أجانب، لكنه قُتِلَ فيما بعد إثر غارةٍ جويةٍ على الأرجح. ووصف سلمان بت الاتهامات الموجَّهة له ب «كلام فارغ تماماً». وعلى الإثر؛ اتخذ إجراءاتٍ قانونية للطعن في أسلوب الحكومة بشأن تحديد من هو المتطرف وفي استراتيجية المنع التي تتَّبِعها. ورأى الرجل أن «ما حدث على مدار السنوات ال 10 الأخيرة في سياسة مكافحة الإرهاب هي أنها سارت بالكامل في طريق مدمر للغاية». واعتبر أن «الحكومة تحتاج إلى أداء مهامها في الحفاظ على سلامة الناس، لكنهم بالأسلوب الذي يتم به ذلك خاصةً في الآونة الأخيرة لا يبحثون في المكان الخطأ فحسب، بل يتجاهلون تماماً ما لذلك من آثار سلبية على العلاقات المجتمعية». والقلق لا ينتاب فقط من هم على شاكلة سلمان بت. ففي يناير الماضي؛ زعمت الأستاذة الجامعية ونائب مستشار جامعة أكسفورد، لويز ريتشاردسون، أن «السماح للمتطرفين بإلقاء الخطب في الحرم الجامعي والتصدي لآرائهم أفضل من حظر نشاطهم بكل بساطة». في ذات السياق؛ حذَّر المسؤول عن مراقبة قوانين مكافحة الإرهاب في بريطانيا، ديفيد أندرسون، من أن خطط تضييق الخناق على الأفراد والمنظمات المتهمة بالتطرف قد تؤدي إلى أثر عكسي «من خلال تحقيق أغراض الساعين لتجنيد المتشددين». لكن مؤيدي الحكومة فيما تنوي عملَه يحذرون من خطر السماح للمتطرفين باستخدام المنابر العامة أو الجامعات، لأن ذلك يسمح بإيصال رسائلهم إلى الضعفاء المعرضين للتأثر بآرائهم. ويستدل مؤيدو التوجُّه الحكومي بمشاركة خريجين من الجامعات البريطانية أو طلابٍ فيها في مؤامراتٍ عديدة نفذها متشددون ومنهم إموازي والنيجيري عمر فاروق عبدالمطلب. وكان عبدالمطلب اتُهِمَ بمحاولة وضع متفجرات في ملابسه الداخلية. بدوره؛ رأى مدير منظمة الحقوق الطلابية التي تنادي بعدم التطرف في الجامعات، روبرت ساتون، أن أصحاب الآراء الخلافية يحصلون في كثيرٍ من الأحيان على منبرٍ لا يوجد فيه من يفنِّد آراءهم. وشرَح قائلاً «في أحيانٍ كثيرة يحصلون على جواز مرور حر، فإن جعلت الأمر ينقسم إما إلى حرية التعبير أو منعهم من الخطابة فهذا فيه ازدواجية شديدة، وما نحتاج إلى التفكير فيه هو كيف ندبِّر الأمر بحيث يواجهون من يطعن في آرائهم عندما يخطبون بدلاً من منعهم». وفي نظر ساتون؛ فإن التركيز يجب أن يكون على استخدام التشريعات القائمة في التعامل مع أمثال تشودري حتى إذا أثبت لفترةٍ طويلةٍ مهارته في ضمان عدم مخالفة القانون.