تستعد موسكو اليوم ل «اختبار قوة» جديد في المواجهة المتصاعدة بين المعارضة والسلطات. ودعا ناشطون إلى التظاهر في الساحة الحمراء ل «إحداث تغيير شامل في البلاد». بينما أعلنت حكومة موسكو إغلاق الساحة أمام الجمهور ل «تنظيم بروفة لعرض عسكري». وحذّرت وزارة الداخلية المواطنين من أخطار المشاركة في «فاعليات استفزازية غير مرخّصة». وبعد مرور أسبوع على التظاهرات الاحتجاجية التي عمت مدناً روسية وأسفرت الأحد الماضي عن احتجاز حوالى ألف شخص، بينهم زعيم المعارضة أليكسي نافالني، بدا أن الشرارة التي أطلقتها لم تهدأ وباتت تنذر بتحوّلها موجةً منظّمة من التحرّكات الاحتجاجية. وعكست تغطيات وسائل الإعلام الأسبوع الفائت درجة القلق من التظاهرات، بسبب انخراط فئات الشباب فيها على نحو ملحوظ. واعتبرت أنها «كسرت حاجز الخوف من المشاركة في تظاهرات غير مرخّصة». وعلى رغم أن استطلاعات الرأي أظهرت أن ثقة الروس بالرئيس فلاديمير بوتين لم تتراجع كثيراً، وقال 64 في المئة في استطلاع نظّمه مركز «ليفادا» الموثوق، إنهم سيمنحون أصواتهم لبوتين إذا أجريت الانتخابات هذا الأسبوع. لكن التظاهرات لفتت الأنظار إلى انتشار مطلب مكافحة الفساد، وحوّلت الشعارات التي رفعتها التحرّكات الاحتجاجية إلى مطلب واسع حظي بقبول 89 في المئة في استطلاع المركز ذاته. وضاعف من القلق تكرار الدعوة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي إلى تنظيم تظاهرات كبيرة في الساحة الحمراء اليوم، على رغم غياب أبرز رموز المعارضة في مراكز التوقيف. وردّت السلطات بحزم على الدعوات، وأعلنت حكومة مدينة موسكو أمس، إغلاق الساحة أمام الزوار مبررة الإجراء بالحاجة إلى تنظيم «بروفة» لأحد العروض التي ستشارك في 9 أيار (مايو) المقبل في احتفالات عيد النصر على النازية. ونشرت وزارة الداخلية الروسية بياناً على موقعها الإلكتروني أمس، حضت فيه «سكان العاصمة وضيوفها على تجنّب المشاركة في تجمّعات»، منبهة إلى أنها «لم تمنح ترخيصاً بتنظيم أي فاعليات حاشدة»، محذّرة من الاستجابة لدعوات «استفزازية ومخلّة بالأمن». وجاء في البيان أن «الأجهزة المختصة ستقوم بواجبها لحماية النظام والأمن العام». وسبق ذلك طلب قدمته النيابة العامة الروسية أول من أمس، إلى جهات الرقابة بحظر المواقع على الشبكة العنكبوتية التي نشرت مقاطع فيديو أو رسائل تحض على المشاركة في التظاهرات. وأوردت شبكة «نيوز رو» الإخبارية أمس، أن عشرات المواقع أغلقت. لكن الدعوات انتقلت إلى شبكات واسعة الانتشار مثل «فكونتاكتي» وهي النسخة الروسية ل «فايسبوك»، التي انتشر عليها في شكل واسع مقطع فيديو يدعو إلى المشاركة في تظاهرات ترفع شعار «التغيير الشامل في روسيا». وتضمّن المقطع مطالب محددة ينوي المشاركون إبرازها، منها إقالة رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف الذي برز اسمه بقوة في أحدث فضيحة فساد كانت الشرارة التي أطلقت التظاهرات الأحد الماضي. كما تركّز المطالب على وقف العمليات العسكرية فوراً في أوكرانيا وسورية، وإطلاق سراح نافالني ورفاقه مع التعويض عليهم بسبب الاحتجاز، وإلغاء تعديلات قانونية تضع قيوداً على حرية التظاهر، وإعادة النظر بقوانين الانتخاب في الأقاليم، وفتح تحقيق واسع في قضايا الفساد التي رصدها «صندوق مكافحة الفساد» الذي أسسه نافالني قبل عامين، وحامت تحقيقاته حول نشاطات مالية مريبة لشركات حكومية كبرى وشخصيات قريبة من بوتين. وبدا أمس، أن متاعب الكرملين الداخلية تقابلها مخاوف من تصعيد «خارجي»، خصوصاً بعدما فشل اجتماع مجلس حلف الأطلسي- روسيا على مستوى المندوبين الدائمين، في تقريب وجهات النظر. ووسط توقّع تجديد رزمة العقوبات المفروضة على روسيا. وجاء إعلان مستشار الأمن القومي الأميركي المستقيل مايكل فلين طلب «الحصانة» في مقابل تقديم معلومات عن الاتصالات مع روسيا خلال الحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترامب، ليزيد من قلق الكرملين الذي أعلن الناطق باسمه ديمتري بيسكوف، أن «فلين لم يناقش ملف رفع العقوبات»، وانتقد بقوة «الحرب الدعائية الكبرى المستمرة خلال العام الأخير في الولاياتالمتحدة ضد روسيا»، معتبراً أنها سبب «مشاعر العداء المتزايدة» ضد موسكو. واعتبر بيسكوف أن علاقات البلدين «باتت دون درجة الصفر». وقال رداً على سؤال صحافي أميركي عما إذا كانت موسكو تعتقد أن الأمور تدهورت إلى مستوى «الحرب الباردة»: «أعتقد أن الوضع الآن أسوأ من مرحلة الحرب الباردة، إذا أخذنا في الاعتبار تصرّفات الإدارة الأميركية الجديدة». لكنه استدرك معلناً أنه يقصد «تصرّفات الإدارة السابقة التي سعت في أيامها الأخيرة إلى تخريب العلاقات نهائياً».