سميت الأجهزة الحكومية بالدوائر لأن المراجع يدور فيها حول نفسه، تماماً مثل البرغي، في حين يدور الموظف حول زملائه، وإذا كان من «الطامحين» فلا بد من الدوران حول المدير. «وش عندك» من الأسئلة الشائعة التي تواجه المراجع في الدوائر الحكومية، بل هو أولها وأسرعها... سؤال على ريق المراجعة، يدخل الأخ المراجع يتفحص المكان والسكان ويتفحصونه إلى أن يصل لمساحة الحيرة، يحور ويدور كأنه أمام لغز ولا يعلم أنه تحول للمحيطين مثل لغز. لا يمل الموظفون من طرح السؤال «وش عندك؟» ليأخذوا التفاصيل أو تفاصيل التفاصيل يحصلون على سالفة ولا يقدمون شيئاً لصاحبها المستمر في الدوران، كلما كانت الدائرة صعبة تزايدت طرقات السؤال، «وش عندك؟»، ليصل المسؤول إلى أن الغرض الوحيد من السؤال لا يتجاوز «أخذ العلوم»، لا نستطيع التفاؤل بالقول إنهم يتحينون زيارة جهاز رقابة متوقعين أن هذا أحد أفرادها، «وش عندك؟»؛ سؤال جمع الاستقصاء والاستنكار والحيادية، والنتيجة أن المراجع يقول كل ما عنده، يتحول إلى «حكواتي»، في كل إجابة جديدة يتذكر تفصيلاً صغيراً آخر - لعل وعسى - يكون أصاب كبد الإجابة الصحيحة، يتم حل اللغز بالنسبة إلى الموظفين، في حين تزداد صعوبة اللغز للمراجع، إعادة الحكاية لم تقدم ولم تؤخر، ما زال في دائرة لا طرف لها. هل يستمتع الموظف بزحلقة المراجع؟ لست متيقناً من المتعة لكن الواضح أنه يريد إزاحته عن وجهه... لا يهم إلى أي وجهة كانت، خصوصاً بعدما عرف «وش عنده»، فما عنده لا يعنيه، لذلك تجد خبراء مراجعة الدوائر الحكومية تسلحوا بعدد من الأسلحة، صنف ظريف منهم سلاحه «النكتة»، يجمع الواحد منهم عدداً من النكات ويحدثها باستمرار، لتصبح معولاً يكسر جليد الأسوار البيروقراطية، تشيع النكت جواً من الصحبة «الله يغربل شيطانك»، كلما كانت أكثر إضحاكاً وهزاً للأنفس المحيطة أتاح ذلك الدخول إلى عالمها ولكل وسط بيروقراطي نكاته الخاصة. صنف ثان سلاحه الخدمة، يأتي الواحد منهم مبادراً بالتعريف بنفسه وأين يعمل وكم من الخدمات التي يستطيع تقديمها «أنت تأمر وهو يطامر»، يعلن من «أولها» ما عنده، ولأن شعار «لا يخدم بخيل» قائم كناطحة سحاب يجد هذا الصنف حظوة داخل الدائرة، الصنف الثالث سلاحه اللسان الطويل، سلاح فتاك يحطم حال الصمت فيربط الرؤوس الموجودة - قسراً – بعضها بعضاً لتنتشر رسائل «مخيخية»، يعلن هذا الصنف ما عنده جهاراً نهاراً مثل بالونة اختبار يسمع ويشم رائحة تذمرها الجميع، أصبح الجميع معنياً بما عنده، حينها تتركز الأنظار على المعني في الدائرة فلا يتمكن من الفكاك. www.asuwayed.com