ركز القادة العرب خلال مشاركتهم في أعمال القمة الثامنة والعشرين التي اختتمت أمس في منطقة البحر الميت، على ضرورة إيجاد حل للقضية الفلسطينية يرتكز إلى مبادرة السلام العربية التي أقرت في قمة بيروت عام 2002، وشددوا على أهمية مكافحة الإرهاب في المنطقة، وحل القضايا والنزاعات التي من شأنها تغذية الإرهاب. وتناول القادة العرب في كلماتهم التحديات التي تعطل مسيرة العمل العربي المشترك، وشددوا على أهمية مواجهة التحديات بعزم، وإنهاء الخلافات التي تعطل التضامن العربي، وأخذ زمام المبادرة لحل الأزمات التي تشهدها المنطقة. وأتاحت قمة عمان أمس لقاء مهماً بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس عبد الفتاح السيسي جرى خلاله «استعراض العلاقات الأخوية وسبل تعزيزها بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الشقيقين، وبحْث عدد من المواضيع المدرجة على جدول أعمال القمة»، وفقاً لبيان نشرته وكالة الأنباء السعودية. وأوضح الناطق باسم الرئاسة المصرية السفير علاء يوسف، أن الزعيمين «تناولا جوانب العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وسبل تعزيزها». وقال: «أكد الزعيمان حرصهما على دعم التنسيق المشترك في ظل وحدة المصير والتحديات التي تواجه البلدين»، كما أكدا «أهمية دفع وتطوير العلاقات الثنائية في المجالات كافة، بما يعكس متانة وقوة العلاقات الراسخة والقوية بين البلدين والتي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ». وأشار إلى أن اللقاء شهد كذلك التباحث في «المواضيع المطروحة على القمة العربية، إذ أعرب الزعيمان عن تطلعهما إلى خروج القمة بقرارات عملية ومؤثرة ترقى لمستوى التحديات التي تواجه الأمة العربية، وأشارا إلى حرصهما على التنسيق المشترك ومع الدول العربية لمتابعة وتنفيذ ما سيتم التوافق عليه من قرارات وآليات للتعامل مع التحديات والأزمات التي تمر بها الدول العربية والمنطقة». وذكر البيان المصري أن خادم الحرمين الشريفين «وجه الدعوة إلى الرئيس السيسي لزيارة المملكة، وهو ما رحب به السيسي، ووجه بدوره الدعوة للملك سلمان لزيارة مصر، والتي قبلها جلالته بترحاب ووعد بإتمام الزيارة في القريب العاجل». كما التقى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وجرى خلال اللقاء «بحث العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين، وسبل تعزيزها، إضافة إلى مناقشة عدد من المواضيع المدرجة على جدول أعمال القمة». ونقل عن العبادي قوله إن صفحة جديدة فتحت في العلاقات مع السعودية. والتقى الملك سلمان أيضاً أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، والعاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، والرئيسين السوداني عمر البشير، والتونسي الباجي قايد السبسي، بالإضافة إلى رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبي فائز السراج. وعلى هامش القمة أيضاً، التقى الرئيس اللبناني كلاً من أمير الكويت والرئيس التونسي، ورئيس الوزراء العراقي، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي. كما التقى الرئيس المصري رؤساء كل من السودان وتونس واليمن. وقال أمير الكويت في كلمته أمام القمة «إن ما يسمى الربيع العربي وهم أطاح أمن أشقاء لنا واستقرارهم، وعطل التنمية والبناء لديهم وامتد بتداعياته السلبية ليشمل أجزاء عدة من وطننا العربي، وأدى إلى تدهور الأوضاع الأمنية فيها ليعيش شعبها معاناة مريرة تتضاعف معها جراح الأمة». ودعا إلى استخلاص العبر مما حصل للدول العربية من مشكلات وتصحيح العديد من مسارات العمل «تحصينا لمجتمعاتنا وتماسكاً لجبهتنا الداخلية وتحقيقاً لتطلعات شعوبنا المشروعة». وأضاف أن ما يواجهه العالم العربي من تحديات جسيمة ومخاطر تفرض التزام نهج مختلف في عملنا العربي المشترك يواجه الواقع ويتصدى لتلك المظاهر، «فنحن مطالبون على مستوى آلية القمم العربية بأن يكون التعاون وفق نهج مختلف عما درجنا عليه في السابق». كما دعا إلى «أن تكون هذه القمة بداية لتحديد مسار جديد نعمل من خلاله على التركيز على مواضيع محددة تمثل تشخيصاً للمعوقات التي نواجهها». من جانبه، شدد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في كلمته على أن «خطورة المرحلة التي يمر بها وطننا العربي والمنطقة كلاً، والعوائق أمام تحقيق تطلعات شعوبنا في التنمية والأمن والاستقرار، تتطلب منا الكثير من الواقعية والصراحة والوعي وتطابق الأقوال والأفعال لتجنيب أمتنا العربية المخاطر»، مؤكداً أن التضامن العربي الحقيقي عامل مساعد في تحقيق هذه التطلعات، فيما يؤثر غيابه سلباً عليها. وتحدث عن «الاختلافات في رؤانا ومواقفنا تجاه بعض القضايا السياسية التي تواجه أمتنا»، والتي أدت «إلى آثار سلبية على مجالات التعاون الأخرى، غير السياسية، ما يبيّن أن المشكلة لا تكمن دائماً في الاختلاف ذاته، بل في كيفية إدارته، وفي إسقاط الخلاف السياسي على كل ما عداه». وشدد على «أننا قادرون على توحيد الرؤى ومواجهة التحديات المختلفة وتجاوز الأوضاع الراهنة، فلا توجد اختلافات أو خلافات تستعصي على الحل بين الأشقاء»، و «حتى إن وُجدَت، على الرغم من كل الجهود، فلا يجوز أن تؤثّر على مجالات التعاون التي تهم مواطنينا ومجتمعاتنا». وقدم ملاحظتين في شأن الإرهاب: الأولى أنه «إذا كنا جادين في تركيز الجهود على المنظمات الإرهابية المسلحة، هل من الإنصاف أن نبذل جهداً لاعتبار تيارات سياسية نختلف معها إرهابية، على الرغم من أنها ليست كذلك؟». وتساءل: «هل هدفنا أن نزيد عدد الإرهابيين في هذا العالم؟». وقال إن «مكافحة الإرهاب هي قضية استراتيجية ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وثقافية، وطبعاً أمنية أيضاً، وهي أخطر من أن نخضعها للخلافات والمصالح السياسية والشد والجذب بين الأنظمة». وعن الملاحظة الثانية، قال: «لا يقتصر الإرهاب على دين أو مذهب بعينه، فثمة ميليشيات إرهابية من مذاهب مختلفة ترتكب جرائم ضد المدنيين والمرافق المدنية لأهداف سياسية بعلم وأحياناً برضى حكوماتهم. وهذا هو الإرهاب بعينه». وظهر خلاف في الرؤى بين مصر وقطر في تلك النقطة، إذ تُصر مصر على التعامل مع كل الجماعات الإرهابية على قدم المساواة، وتصنف جماعة «الإخوان المسلمين» إرهابية. كما ظهر خلاف أيضاً في خصوص التعامل مع الوضع الليبي، إذ أكد أمير قطر دعم حكومة «الوفاق الوطني الشرعية»، وطالب أطرافاً ليبية التي لم يسمها ب «التخلي عن تقديم الذرائع لامتناعها عن المشاركة في الحل السياسي النهائي بسبب الاختلاف في الرأي والمصالح الشخصية والخلافات على الزعامة والنرجسيات على أنواعها». كما انتقد أمير قطر ضمناً حملات اليمين في الغرب والرئيس دونالد ترامب، مشدداً على أنه «لا يجوز السكوت على أن يصبح التحريض على حضارتنا العربية والإسلامية وبث سموم الكراهية ضد المسلمين، مسألة تنافس بين الأحزاب والقوى الشعبوية في الغرب»، وأضاف: «قد يطلب منا بعض الساسة أن نتفهم ظروف الحملات الانتخابية، وأنهم لا يقصدون ما يقولون، لكن هذا عذر أقبح من ذنب لأنه يجعل من كراهية المسلمين موضوعاً شعبياً». وقال الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي إن المنطقة العربية لا تزال تعيش أوضاعاً غير مسبوقة من الاضطرابات وعدم الاستقرار بسبب استمرار النزاعات وتنامي التهديدات والمخاطر التي تستنزف مقدراتها وتعيق مسارات التنمية في البلدان العربية. وأكد أنه من غير المعقول والمقبول أن تبقى المنطقة العربية رهينة هذه الأوضاع المتردية وتداعياتها الخطيرة. وأضاف: «إن مسؤوليتنا الجماعية تكمن في إعادة الأمل للمواطن العربي من خلال التخلي عن الخلافات». وقال إن الإرهاب الذي يستهدف الجميع من دون استثناء ويسعى إلى تهديد الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، يمثل الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي والمصالح الحيوية للبلدان العربية. وأكد: «لا تمكن مجابهة التنظيمات الإرهابية وإحباط مخططاتها ما لم يتم توحيد الجهود العربية وتكثيف التعاون والتنسيق بينها، خصوصاً في مجالات مكافحة الأعمال الإرهابية وكل أشكال الجرائم المرتبطة بها ومراقبة الحدود وتأمينها، وتبادل المعلومات وتفعيل المنظومة القانونية والاتفاقات العربية ذات المصلحة». وشدد الرئيس السوداني عمر حسن البشير على ضرورة تعزيز العمل العربي المشترك بالمجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والتي يمتلكها العالم العربي ولا يستهان بها والتي تدعو إلى ضرورة توحيد الصف، وألزمت علينا واجب القيام بما بنيت عليه الجامعة العربية. وقال: «نتطلع إلى دعم الأشقاء العرب وإعادة الإعمار في السودان، آملين في نجاحه، حيث تم تشكيل لجنة رفيعة المستوى بهذا الشأن». وأكد استعداد بلاده لاستقبال الاستثمارات العربية في مجال الزراعة طبقاً لمبادرة الأمن الغذائي العربي والتي اعتبرتها قمة شرم الشيخ ركيزة للأمن الغذائي العربي، مضيفاً أن السودان يعيش اليوم وفاقاً وطنياً غير مسبوق. وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إن «أهمية هذه القمة تأتي من حساسية وخطورة الظروف الراهنة التي تواجه دولنا والتحديات الإرهابية الوجودية التي تتطلب منا التعاون والاتفاق على آليات واضحة لمواجهتها ووقف تداعياتها الخطيرة على مستقبل ووحدة دولنا والأمن والاستقرار السياسي والتعايش المجتمعي في منطقتنا». وأكد أن «الشعوب العربية تتطلع إلى هذه القمة، وعلينا جميعا أن نتحمل المسؤولية لاتخاذ القرارات اللازمة لإنهاء معاناة شعوبنا التي تعيش في ظل النزاعات والحروب والنزوح والفقر والجوع»، مؤكداً أن «الإرهاب لا يستثني أي دولة، ما يستدعي بذل كل الجهود من أجل الحفاظ على وحدة دولنا وشعوبنا من التفكك والضياع ومنع التدخل الخارجي في شؤوننا الداخلية». ودعا إلى «موقف عربي موحد تجاه أي تجاوز على السيادة الوطنية للعراق أو أي دولة عربية أخرى وعدم السماح به واعتباره خطاً أحمر في علاقاتنا مع الدول، وأن تكون علاقاتنا مع جميع الدول مبنية على الثقة واحترام السيادة والتعاون واحترام المصالح»، مبينا أن العراق دولة موحدة أكثر من أي وقت مضى، و «لولا هذه الوحدة لما استطاع تحرير أرضه من عصابة داعش المجرمة». وأشار رئيس جمهورية جيبوتي عمر حسن جيلي، إلى أهمية العمل على إيجاد حلول للتحديات التي تفرضها هذه الأوضاع من خلال تبني أنجع السبل العملية للتصدي لكل التحديات والتهديدات والمخاطر التي تواجه الأمن القومي العربي. وقال رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا فايز السراج إن الأمة تعيش تطورات سياسية مهمة وخطيرة، مشيرا إلى أن اتفاقات الصحراء أصبحت مرجعاً للحلول السياسية في ليبيا، وتعمل حكومة الوفاق الليبية مع الأطراف كافة. ودعا إلى وقوف العرب إلى جانب ليبيا والتحلي بالشجاعة والشفافية للوصول إلى حلول سياسية وفق المبادرة المقدمة من مصر والجزائر وتونس وأن تتدخل الأطراف العربية بإيجاد حلول للوضع الليبي. وقال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إن اليمن لم يتعرض لمحاولة انقلاب سياسي فقط بغرض إطاحة نظام شرعي منتخب والمجيء بآخر انقلابي، بل تم استهداف العملية السياسية الانتقالية التي اقترحتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وتمثلت أخيراً بمخرجات مؤتمر الحوار الوطني ومسودة الدستور الاتحادي الجديد. وأضاف: «بعد عامين كاملين على عاصفة الحزم، أتقدم بالشكر والتقدير إلى التحالف العربي على موقفه الكبير من شعب اليمن وحكومته، وإننا اليوم على مشارف النصر الكبير إن شاء الله، ولمن يقول إن الحرب أخذت وقتاً طويلاً، نقول بوضوح إن حجم التآمر والإعداد له كان طويلاً وعميقاً، لكننا بتنا اليوم قاب قوسين أو أدنى من النهاية». وأكد حاجة الحكومة اليمنية إلى الدعم والمساندة الكبيرة لاستعادة الدولة وتثبيت الأمن والتغلب على التحديات الأمنية والاقتصادية الكبيرة التي تواجهها في ظروف ما بعد الحرب، وجهود إعادة الإعمار وإزالة آثار الحرب المادية والنفسية والاجتماعية وفي المجالات كافة، ودعم خطط هزيمة القوى الإرهابية الظلامية، والوقوف صفاً واحداً لمواجهة الإرهاب والتطرف واجتثاث جذورهما الفكرية والثقافية والمادية واستئصال كل مظاهره ورموزه وتفعيل الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب.