قبل نحو عامين كان العالم الكروي يحوم حول شخصيتين مثيرتين، ليس للإعجاب فحسب، بل للجدل أيضاً! فعندما كان يتلاقى ريال مدريد وبرشلونة في كلاسيكو الدوري أو الكأس أو دوري الأبطال كان العالم بأسره ينقسم قسمين، فقلة قليلة كانت تجلس على الخط الفاصل بينهما، فإما أن تكون مجنون «السبيشال وان» وإما متيماً بالفلتة الإسباني! فالأول ثعلب وداهية ومشاكس إلى حد «النرفزة»، والثاني مفكر ودقيق ومهووس بكل صغيرة وكبيرة إلى حد الجنون، وكلاهما يعتبر الأفضل في العالم، وكلاهما أيضاً تصدر العناوين الرياضية طيلة الأيام الماضية. لكن كان مستحيلاً انتقاد المدربين عندما كانا مدربين للبرسا والريال، لان أنصارهما لن يستوعبوا أو يصدقوا أن لديهما هفوات أو نقاط ضعف. قبل أسابيع قليلة وفي خضم إحراز بايرن ميونيخ انتصارات ساحقة ونتائج كبيرة أطلق الرئيس الفخري للنادي البافاري فرانز بيكنباور تصريحاً غريباً ينتقد فيه أسلوب لعب فريقه بإدارة المدرب الإسباني، مطالباً ب«ألا يصبح البايرن برشلونة آخر». ربما قلة استوعبت أو حتى أعطت هذا التصريح اهتماماً، فالبايرن بات مرعباً وخيالياً بأسلوب شائق، لكن بعد الهزيمة التاريخية والساحقة أمام ريال مدريد استوعب كثيرون مغزى هذا الانتقاد، فإذا قارنا به ماذا فعل غوارديولا بالبايرن؟ وجدنا أنه نقله تدريجياً من فريق قوي صلب صاحب جهد كبير وبارع في الهجمات المرتدة، إلى فريق صاحب استحواذ عال يملك السيطرة والاحتكار في مجريات المباريات، أي بكلمة أخرى: نزع منه أبرز ما ميزه الموسم الماضي خلال إحرازه الثلاثية، وزرع فيه التيكي تاكا عالم «لاماسيا»، أو حوّله من بايرن هاينكس إلى برسا بيب لكن من دون ميسي، وهذا هو الخطأ الفادح الذي وقع فيه غوارديولا، فهو جاء إلى فريق بطل أحرز كل الألقاب الممكنة في الشهور الماضية؛ أي إن هناك عوامل إيجابية ميزت لاعبيه وتناسبت مع قدراتهم وفهمهم ونهجهم، مثلما تناسب التيكي تاكا مع نهج ميسي وأنيستا وتشافي وبوسكيتس، فمثلاً من المستحيل أن نتوقع من هاينكس لو مدرب برشلونة أن يطبق نهج البايرن في القوة والصلابة والهجمات المرتدة، وأيضاً من الصعب أن يستمر البايرن في نجاحاته بأسلوب السيطرة والاستحواذ وهو لا يملك الأدوات عندما يواجه فرقاً مخيفة في الهجمات المرتدة ولديها دفاعات صلبة وقوية وخبيرة مثل الريال. في مباراة الذهاب في دوري الأبطال أمام الريال، توقع كثيرون أن يسيطر أصحاب الأرض على مجريات المباراة وأن يلجأ غوارديولا إلى نهج حذر يعتمد على الهجمات المرتدة التي يبرع فيها نجومه، لكن العكس هو الذي حدث، فعلى رغم أن السيطرة زادت على 70 في المئة، بل إنها أصبحت أكثر من 80 في المئة بعد تسجيل بنزيمة هدف الريال الوحيد، وعلى رغم السيطرة، فإن أياً من الفرص ال15 التي صنعها البايرن لم تكن توصف بالخطرة، في حين اعتبرت ثلاث فرص من ال9 للريال خطرة جداً، وأيضاً لم ينجح البايرن هذا الموسم بقيادة غوارديولا في تسجيل أي هدف من هجمة مرتدة في دوري الأبطال، على عكس الموسم الماضي، وأيضاً لم ينجح هذا الموسم في تسجيل سوى ثلاثة أهداف من كرات ثابتة، وهو أقل تسع مرات مما نجح فيه مع هاينكس. أسلوب لعب التيكي تاكا يبدو دائماً جميلاً ومثيراً ومحفزاً، لكن يجب توافر الأدوات لفعل ذلك، فعلى رغم وجود روبن وريبيري فإنهما ليسا ميسي وأنيستا، فروبن سنحت له ثماني تمريرات في الذهاب فقط، ولم تكن سوى ثلاث منها صحيحة، وهو ليس لديه قدرات ميسي في فتح الثغرات بمراوغات سريعة وتحركات مباغتة. ومع ذلك، فإن نهج التيكي تاكا والاستحواذ بات في حاجة إلى «أبديت» أو تحديث، فهذا النهج ربما يسحق الخصوم المتواضعين والمغمورين، لكن عندما يصطدم بمنافس يملك دفاعاً صلباً وقوياً ومنظماً ويملك الخبرة والحنكة فمن الصعب اختراقه، وأيضاً إذا امتلك هذا المنافس قدرات على الهجمات المرتدة بأفراد يتمتعون بالسرعة والمهارة والموهبة فإن التدمير سيكون وشيكاً، وهذا بالضبط ما حدث ليلة الثلثاء، وفشل غوارديولا في فهم هذه المعادلة، ليس مرة واحدة فحسب، بل مرتين متتاليتين.