كاتبان من شرق أوروبا وجنوبها طمحا الى جمع كتاب القارة حول قضايا الأدب المعاصرة، وأحبطهما العجز عن قبول رأي الآخر. نظّم التركي أورهان باموك والبرتغالي جوزيه ساراماغو «برلمانَ الكتّاب الأوروبيين»، ودعيا ف. س. نيبول الى إلقاء الكلمة الافتتاحية الخميس الماضي في اسطنبول، الواقعة في أوروبا وآسيا. اعتذر الكاتب البريطاني في الدقيقة الأخيرة، بعدما اعترض كتاب أتراك على حضوره، لموقفه من الإسلام. وأشار بيان صدر عن البرلمان ووكيل نيبول الأدبي، الى أن تسييس المؤتمر «غيّر المفهوم الأساسي للحدث ومشاركةَ السير ف. س. نيبول فيه». خلال أمسية قراءة من كتابه « نصف حياة» في 2001، انتقد الكاتب، الترينيدادي من أصل هندي، أَثَرَ الإسلام على معتنقيه، الذين يتوجب عليهم « تدمير» ماضيهم وتاريخهم. «عليك أن تدوسه، عليك أن تقول إن لا وجود لحضارة أجدادي ولا أهمية». كوفئ نيبول بنوبل الآداب في خريف ذلك العام، الذي كان شهد الهجوم على مركز التجارة العالمي في أيلول (سبتمبر). الحملة التركية على نيبول بدأت بمقال للشاعر والفيلسوف حلمي يفز في « زمان»، أشار فيه الى إهانة الكاتب البريطاني الإسلام: « هل ستكون ضمائر كتّابنا مرتاحة لدى الجلوس الى طاولة واحدة مع ف. س. نيبول؟». ومع اتساع التغطية الإعلامية، رأى الكاتب جيهان أقطس أنه لا يستطيع حضور المؤتمر، لأن «الاشمئزاز الذي يشعر نيبول به نحو الإسلام مرعب». تجهد تركيا للانضمام الى الاتحاد الأوروبي منذ زمن، لكن رافضي الانضمام يتذرعون بأسباب، منها عقاب المعارضين، كتّاباً وغيرهم، بالسجن. من السذاجة توقع الانفتاح العقلي والليبرالية لدى الفنانين والكتّاب كلهم، لكن المحافظ المتشدد بينهم يقوِّي حجة الناقد مجاناً. شاء باموك وساراماغو جمْعَ كُتّاب يختلفون ويتناقشون، سواء اتفقوا على حد أدنى أو لا، وخابا بلا شك، من ضيق النظرة والعقل. أمَا كان المثقفون الأتراك، ومن خلفهم حضارتُهم، في مركز أقوى وأكثر تمدناً، لو وقف المتهجِّم على دينهم متحدثاً بينهم وهم يصغون بأدب، وربما يصفقون؟ هل كان جان جاك روسو أو فولتير من قال في القرن الثامن عشر: «قد لا أوافقك الرأي لكنني سأدافع حتى الموت عن حقك في التعبير عنه»؟ لا أقترح الموت تماماً، لكنني أتوقف عند الخوف من المعارضة، الذي يكرّس بغْضَ المختلِف والرعبَ من الإلغاء. الفوبيا الدينية حذَّرَ تقرير للبروفسور نايجل كوبسي، من جامعة تيسايد - بريطانيا، من أن جذب «رابطة الدفاع الإنكليزية» جماعات مختلفة من الأقليات سينشر رهاب الإسلام ويزيد التوتر بين الأديان. شكَّلت الرابطة العام الماضي احتجاجاً على الأنشطة الإسلامية المتطرفة، وبنت علاقات مع اليهود والسيخ، وعبرت الأطلسي للتعاون مع «حزب الشاي» اليميني. تظاهر مئات من الرابطة في نهاية الأسبوع الماضي احتجاجاً على بناء المساجد وما رأوه ازدياداًَ في تأثيرِ حكم الشريعة في بريطانيا. على أن فروع الرابطة الجديدة، كالقسم اليهودي مثلاً، قد تستغل العداء الديني سياسياً، في النزاع في الشرق الأوسط، وفق البروفسور كوبسي، الذي كلّفته منظمة «الإيمان يهم» إعداد التقرير. الشهر الماضي اشترك الحاخام الأميركي نعوم شفرن، الناشط في «حزب الشاي»، في تجمع للرابطة أمام السفارة الإسرائيلية في لندن وهاجم الإسلام، ورفعت أعلام إسرائيلية في تظاهرات للرابطة في مناطق عدة من المملكة المتحدة. تحاول هذه الرابطة استقطاب الأقليات، انطلاقاً من القول إن عدو عدوها صديقها. تَعِدُ الهامشيين والمهمشين بالحماية، وثمة أقسام للنساء والجنود والمعوَّقين على موقعها على «فيسبوك». تصرّ الرابطة على أنها ترفض العنف والعنصرية، لكن فياز موغل، مؤسس منظمة «الإيمان يهم» ومديرها، يؤكد أن هدفها زيادة التوتر والبغض والانقسام بين الجماعات، وأن محاولتها تصوير نفسها حركة شرعية منفتحة لا يموِّه هدفها العنيف المعادي للإسلام: «يمكن تحويل كراهيتهم بسرعة ضد جماعة أخرى». بتصرف هل تجوز إعادة تأهيل الكتّاب الى درجة التصرف بأعمالهم؟ النفي الأخلاقي لا يمنع النفعية، خصوصاً إذا تواطأت معه نوعية وسط. وفي حال إينيد بلايتون، التي وضعت الآلة الكاتبة على ركبتيها وكتبت عشرة آلاف كلمة في اليوم، من يهتم حقا؟ أوحت تلك الغزارة أن الكتب الثمانمئة التي ظهر اسمها عليها كَتبت نفسها بنفسها، ولئن باعت ستمئة مليون نسخة، صُنفت بلايتون كاتبة من الدرجة الثانية، وقاطعتها إذاعة بي بي سي ثلاثة عقود، لتعترف بها فقط في برنامج « ساعة المرأة»، الذي عُنِيَ أيضاً بالطبخ والغذاء. تُرجمت كتب بلايتون (1897- 1968) الى تسعين لغة، وأتت في المرتبة الخامسة في الترجمة بعد شكسبير، لكن المكتبات العامة خلت غالباً من كتبها. اعتمدت شخصيات محددة من الفتيان استكشفت وغامرت بعيداً من سلطة الأهل ورقابتهم، وتابعت حياتهم الدراسية في المدرسة الداخلية، وتمردهم عليها، ودارت السلسلة الثالثة في فانتازيا تقطنها الجنيات والعفاريت. ابتكرت شخصية نودي (وي وي بالفرنسية)، المتمسك بالواجب الذي افتقر الى المرح والجاذبية، وكان تيمي الكلب أحد الخمسة المشاهير (فايموس فايف) ورفيق جوليان وديك وآن وجورج. لم تعد مسألةٌ بسيطة، مثل النوعية، تعرقل الاعتراف بمن يدرّ الذهب. كانت كتب بلايتون في المرتبة الثالثة عشرة بين الكتب المستعارة من المكتبات العامة في 2008-2009، وحقق بيع كتبها نصف مليار جنيه إسترليني. جدّدت صورتها منذ السبعينات لتخليصها من تهمة العنصرية، فحذفت كل إشارة الى الدمى السوداء، واستبدلت كلمات وأسماء بأخرى عصرية. بات ديك وفاني ريك وفراني، وانتهكت كتب الخمسة المشاهير، فطاول التغيير نصها لمخاطبة جيل جديد من القراء. وفي حين بقيت العمة فاني تعتني بالبيت وزوجها العم كوينتن عبوساً ينعزل طويلاً في مكتبه، طاولت المساواة علاقة ذوي آن. تقول الأم في النسخة الأصلية إن زوجها يريدها أن تذهب معه الى سكوتلندا، لكن روح العصر تغير العبارة الى: «حسناً، هذه المرة خططنا ، والدك وأنا، للذهاب الى سكوتلندا، نحن فقط». اعترضت جمعية إينيد بلايتون على التعديلات، قائلة إنها تؤيد ما هو ضروري فقط. يسود مناخُ زمنٍ مضى مخالفاً عصرنة التعبير، وتلتبس شخصية جورج، الفتاة التي استطاعت التشبه بالفتيان حينها، وبات شعرها القصير في النسخة المعدّلة يكاد يماثل في قِصَره شعر الفتى، نفياً لميول مثلية قد يوحيها شكلها. نرفض اليوم أيضاً لغة الأم التي تراها وقحة، مشاكسة ومتعالية، وغياب الأب عن تربية أطفاله وترك تدبير الأسرة لزوجته. يُستبدل حب آن الدمى بالدِّبَبَة الدمى، ويُحذف تماماً المقطع عن تلقّيها في عيد الميلاد دميةً تغمض عينيها تعزم متحمسةً على تسميتها ب «تسي- مي». قد يفضّل البالغون قراءة قصص بلايتون بنسخها الأصلية، لكن الأمر يختلف على الأرجح مع جمهورها من الأطفال. من يعرف أكثر من دُور النشر في هذه الحال؟ الزمن فوق وتحت الصيف الماضي نشر جيمس شن- من شو وزملاء له من «يو أس ناشونال إنستيتيوت أوف ستانداردز أند تكنولوجي» في بولدر- كولورادو، بحثاً في مجلة «ساينس» أيّد نظرية ألبرت أينشتاين حول اختلاف حركة الزمن في مكانين يختلف ارتفاعهما، استخدم الفريق ساعتين نوويتين هما الأكثر دقة في العالم بنسبة خطأ تبلغ ثانية واحدة في 3.7 بليون سنة. اقتصر الفارق في العلو بينهما ثلاثين سنتيمتراً، ووجد الفريق أن الساعة الأكثر ارتفاعاً سجلت سرعة أكبر في مرور الزمن، كما ذكر أينشتاين منذ مئة عام وثلاثة أعوام. قال العالم الألماني الأميركي إن الزمن ليس ثابتاً كما نعتقد، وأشار في نظرية «اختلاف التوأم» الى أن التوأم المسافر في صاروخ يتقدم في العمر أكثر من مثيله على الأرض بفعل الجاذبية. اختبار الفريق الأميركي أظهر أن كل ثلاثين سنتيمتراً يتسبّب بتقدم في العمر يعادل تسعين بليوناً من الثانية في تسعة وسبعين عاماً. هذا يعني أن سكان الطبقات المرتفعة يشيخون قبل أترابهم اعتمادا على مدى الارتفاع وزمنه.