مقاربة جديدة للحرب اللبنانية في أشد فصولها «أهلية» يقدمها الزميل غسان شربل، رئيس تحرير «الحياة» في كتابه الصادر حديثاً «أين كنت في الحرب؟ اعترافات جنرالات الصراعات اللبنانية» (دار رياض الريس، بيروت). والسؤال الشائك هذا لم يكن إلا ذريعة لمحاورة أربعة من قادة الحرب أو الحروب التي شهدها لبنان بدءاً من عام 1975 وهم: إيلي حبيقة، سمير جعجع، وليد جنبلاط وميشال عون. والحوارات هذه هي بمثابة مدخل جديد لقراءة هذه الحرب في أبعادها كافة، العسكرية والسياسية والطائفية والأيديولوجية، وبمراحلها الدراماتيكية وتناقضاتها والانقلابات التي حصلت جاعلة من الرفاق أعداء. أربعة من القادة اللبنانيين عاشوا الحرب عن كثب وشاركوا فيها وغرقوا في وحولها، يتحدّثون في الكتاب بجرأة تامة وصراحة، خالعين الأقنعة السياسية وكاشفين الكثير من الحقائق الخفية أو المجهولة وكل بحسب موقعه ومنزلته. القادة الأربعة «الأعداء» والأخصام يلتقون في هذا الكتاب مقدّمين وجهات نظرهم وآراءهم المختلفة، معترفين بالأخطاء التي ارتكبوها في لحظات القوة أو الضعف. ولعل جمع هذه الحوارات التي كان أجراها غسان شربل طوال أعوام، في كتاب واحد يساعد القارئ اللبناني والعربي على تشكيل صورة بانورامية، حقيقية وأليمة عن المأساة التي عصفت بلبنان وكانت أشبه بالقدر. قدّم شربل الحوارات الأربعة بمقدمة وافية غدت بذاتها نصاً من نصوص الحرب، وقد تناول فيها عناوين الحرب ومعالمها وبعضاً من أسرارها وخفاياها. ويروي من موقعه الحيادي كيف استطاع أن يلتقي هؤلاء «القادة» ويحاورهم محاولاً إحراجهم في أحيان، كي يقولوا ما لم يقولوه سابقاً. والحوارات هذه جعلت من الكتاب وثيقة لا بد من العودة اليها لقراءة الحرب وتأريخها. ومما جاء في المقدمة: «كان القمر ساهراً فوق دجلة. قال صديقي العراقي: «أشعر أنني بلا وطن وأن كل التضحيات ذهبت سدى». راودتني رغبة في أن أجيب: «وأنا أيضاً بلا وطن وأشعر أن دماء جميع الشهداء ذهبت سدى». خجلت ولم أعترف. والحقيقة أنني أشعر بأنني صرت بلا وطن. يزورني هذا الإحساس الغريب المؤلم كلما حاولت النوم وبصرف النظر عن اسم المدينة والفندق. في فيينا أو أربيل. في صنعاء أو الرياض. في نيويورك أو القاهرة. لست رجلاً عاطفياً ولا شاعري الطباع. ولست مصاباً بخيبة شخصية من وطني. غادرته قبل عقدين وأعمل في مكتب جميل هادئ في عاصمة جميلة هادئة. ومنذ مغادرتي أصبت بهاجس دائم وهو استطلاع أحوال المريض اللبناني. زرته باستمرار والتقيت جميع اللاعبين على مسرح حروبه. كل الذين أمروا بإطلاق النار أو أبرموا هدنات أو اتفاقات سلام. وكانت الحصيلة كمية ضخمة من التسجيلات والأوراق والملاحظات. وعلى رغم ما حفلت به الفترات الماضية من أوقات عصيبة يراودني إحساس أن لبنان يتخبط حالياً في المرحلة الأخطر وربما كان عليه أن يختار بين خيارات انتحارية أو ينصاع لها. إن لبنان ما بعد اغتيال الحريري والمحكمة الدولية يمكن أن يفضي في النهاية الى لبنان لا يشبه روح لبنان. أشياء كثيرة قتلت في ذلك اليوم. معادلات وتوازنات ومعها لغة الاعتراف بالآخر والإنصات الى مخاوفه والسعي الى الالتقاء معه في منتصف الطريق. وها نحن نعيش أزمة بين المكونات. خلاف عميق بين السنّة والشيعة ينذر بمواجهة مديدة و«عرقنة» مفتوحة على كل المخاطر وسط انحسار واضح لدور المسيحيين. وليس سراً أن التعايش في عواصم المنطقة لن يكون ممكناً إذا تعذر في بيروت التي شكلت بطبيعتها مختبراً للتعايش. لم يحن الوقت بعد للكتابة عن السنوات الخمس الأخيرة. سنوات القتل والغضب والمشاعر المسنونة والاتهامات والثارات وحملات التضليل والتهويل. أدت العواصف المتلاحقة الى تغييرات عميقة في المواقع والتحالفات والقراءات والخيارات والانقسامات حول موقع لبنان في المنطقة والعالم وحول توزيع المواقع داخل لبنان. أدت الى إعادة إطلاق الحروب اللبنانية وكل أنواع المخاوف وأعادت لبنان ملعباً لنزاعات إقليمية تختلط فيها حروب الأدوار والطموحات النووية والحساسيات المذهبية. لم يعلّمني وطني إلا الخوف. الخوف منه والخوف عليه. أخاف كلما جنحت طائفة كبرى الى خيار لا تستطيع المعادلة الهشة احتماله. ومن القدرة على تكرار الرهانات الباهظة. وعدم الاتعاظ من حمامات الدم. و قدرة اللبنانيين على المغامرة بوطنهم كأنهم يمتلكون وطناً آخر. أخاف من موهبة استجلاب التدخلات ومحاولة الاستقواء بها ثم التحول بيادق في ألعابها. من انتصارات سرعان ما تتحول انتصارات على الوطن لا انتصارات فيه. أخاف كلما زغرد الرصاص في تشييع شهيد. كلما لمعت في العيون شهوة الثأر. كلما توترت الأعصاب الطائفية والمذهبية وانتفخت. كلما ولد قوي وادعى أنه منقذ وحاول فرض لونه وشطب ألوان الآخرين. أخاف من دم يراق ولا يخلص. من دم يعمق الإقامة في النفق. كلما اقتربت الطائرة من مطار بيروت أسمع بكاء الشهداء. بكاء من سقط على حدود الوطن ومن سقط على حدود الطائفة أو المذهب. من دافع عن شارع أو شجرة. أقول الشهداء ولا أستثني واحداً منهم. كلهم من شعبنا أو شعوبنا. كلهم أبناء جمهورية اللحم المتطاير. حين تبقى الأرض بلا دولة يغتال الشهداء كثيراً. وتتضاعف شراهة المقابر. أحفر في منجم الحرب وأعود خائفاً. التهمت أعمارنا وبددت الأبناء. ينكسر قلبي حين يبادرني مقيم بالقول إنني أحسنت بالابتعاد. وإن الذين فروا أنقذوا أبناءهم من بلد الاشتباكات التي لا تنتهي. والنزاعات التي لا تكمن إلا لتتجدد وتزداد ضراوة فيزداد البلد تفككاً وتتعمق الغربة بين المكونات. أخاف من بلد يحتاج للعيش العادي الى معتدلين في الداخل والخارج ولا يعثر عليهم. من بلد متهور في منطقة مجنونة. أحفر في منجم الحرب. أحاول استدراج اللاعبين الى الكلام. علّنا نقرأ. علّنا نتعظ ونندم. إنها حكايات الحرب. قد تكون مفيدة لمن عايشوها أو لمن ولدوا بعدها. أو لصحافيين شبان يسارعون الى إصدار الأحكام قاطعة من دون قراءة تاريخ أوجاع المريض اللبناني. أخاف من الأقوياء المجروحين الذين يقتحمون المختبر اللبناني الحساس ويتلاعبون بالمقادير والمصائر». «جرائم اسرائيل: العدوان على غزة» يقدم جيمس بيتراس، استاذ علم الاجتماع في جامعة بنغهامنون (نيويورك) في كتابه «جرائم اسرائيل: العدوان على غزة» ملخصاً لتقرير غولدستون الذي نشرته بعثة الأممالمتحدة لتقصي الحقائق في شأن النزاع في غزة، وهو يعتبر دراسة منهجية مفصلة لانتهاكات اسرائيل للقانون الدولي في حروبها ضد الشعب الفلسطيني. وقد نجح التقرير في جذب قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي، علاوة على ما أثاره من استنكار في أوساط معظم قادة الدول في العالم. ومع ذلك وقفت المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى ضد هذا التقرير، وهذا يدل في نظر بيتراس على تجاهلها الصارخ لموضوع حقوق الإنسان، ويدل من ناحية ثانية على حجم ما تمارسه من نفوذ على سياسة الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط، فالكونغرس الأميركي دان التقرير، وكذلك فعل البيت الأبيض. تأتي أهمية ما يقدمه بيتراس في هذا الكتاب من كونه معززاً بشهادات وأمثلة وأدلة حسية على جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة. وكذلك يفسر رد الفعل الذي أثارته أعمال اسرائيل في العالم ومن بينها حملة دعت للمقاطعة وفرض العقوبات على اسرائيل قام بها نشطاء حقوق الإنسان والنقابات العمالية، وكثير من المنظمات الأخرى من بينها أفراد من اسرائيل ومنظمات يهودية في أوروبا وشمال أميركا. يشير بيتراس في كتابه الى أن ما جاء في تقرير غولدستون في ما يتعلق بالهجوم الوحشي على غزة له تاريخ طويل ودنيء من الجرائم التي تم تجاهلها، والتي تجدر العودة اليها، والتذكير بها، خصوصاً في الرد على الليبراليين الصهاينة في أميركا، الذين يتهمون الآخرين باستهداف اسرائيل. ففي أوساط اليسار الأميركي غالباً ما تتم ادانة أعمال الحرب والتعذيب أينما وقعت، وهذا الموقف، في رأي بيتراس، محاولة للتغطية على الفظائع التي ارتكبها الإسرائيليون، بخاصة في زمن انشاء الدولة. يقول: «تحتفظ اسرائيل بأرقام قياسية عالمية في عدد البلدات والقرى التي عرضتها للتطهير العرقي (أكثر من 500، ولا يزال العدد مستمراً)، وعدد الأشخاص الذين هجرتهم وحولتهم الى لاجئين (أربعة ملايين والرقم مرشح للازدياد)، وعدد المنازل التي دمرها (ستون ألفاً وهو في ازدياد)، وعدد السجناء المدنيين في سجونها (250.000 وهو في ازدياد أيضاً)، اسرائيل هي الدولة التي استخدم من أجلها النقض الأميركي الحامي في مجلس الأمن... (أكثر من 100 مرة)، الأمر الذي منع الهيئة العالمية من ادانة جرائم الحرب الإسرائيلية. صدر الكتاب عن الدار العربية للعلوم - ناشرون، وترجمه الى العربية بسام شيحا. النص السردي في الإمارات صدر للناقد السوري عزت عمر كتاب بعنوان «سوسيولوجيا النص السردي - دراسات نقدية وتحليلية في السرد الإماراتي» (دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة 2010). يرى المؤلف أن القصة الإماراتية خجولة في ظل هيمنة قوية للشعر المتجذر في المجتمع ونخبه، ولكن على رغم ذلك نشأت خلال حقبة السبعينات طفرة حقيقية في النشاط الثقافي والإبداعي، حيث سعى الكتّاب والمثقفون الإماراتيون بكل حماسة لتكريس حضورهم في المشهد الثقافي الخليجي والعربي، أدى الى تطوّر الأساليب القصصية، من مرحلة البدايات الصعبة تقنياً الى القصة الفنية المتطورة، ومعها ستبدأ الرواية بالظهور مع تجارب كل من عبدالله راشد النعيمي وعلي أبو الريش وغيرهما حتى أوائل الثمانينات، لتسجل القصة حضورها القوي، ومما يلفت النظر في سيرة القصة الإماراتية هو مشاركة المرأة المتعلّمة في الكتابة على رغم البيئة الاجتماعية المحافظة. وقد أكد النقاد والباحثون أن مشاركتها كانت ندية سواء في إطار الأطروحات الفكرية أو الجمالية، بحيث اتسمت كتاباتهن بالكثافة الدلالية والرمزية التي تصل بالقصص الى مستويات متقدمة. وضمّ الكتاب قراءة في الرواية النسائية في الإمارات. ويتناول الباحث عدداً من الظواهر الأدبية ومجموعة من القصص والروايات الصادرة في مرحلة الثمانينات والتسعينات، إضافة الى الكتابات الجديدة. وتابع الباحث بعض القضايا التي انشغل بها الكتاب الإماراتيون وعلى نحو خاص، أدب البحر ورمزياته، وسعي الكتاب الإماراتيين لتأكيد الهوية الإماراتية والتعبير عن جملة القضايا المستجدة التي طاولت المجتمع والثقافة في الإمارات بعد عملية التطور والتحديث المديني الذي ما زالت تشهده الدولة، وبما اتسمت به من انفتاح على العالم وثقافاته.