كشف البيان الأخير الذي أصدرته وزارة الداخلية عن إصرار تنظيم «القاعدة» المتواصل على تجنيد صغار السن، وتحريضهم على الخروج إلى مواطن الفتنة والاقتتال بدعاوى مضللة، وتسهيل سفر المغرر بهم إلى المناطق المضطربة، ومحاولة تنفيذ مخططات إجرامية تهدف إلى نشر الفوضى والإخلال بالأمن. وأظهرت التسجيلات المرئية للتنظيم انضمام شبان صغار نذروا حياتهم لتنفيذ أجندة التنظيم، من قتل واستهداف لمسؤولين ورجال أمن وإعلاميين، تملؤهم الحماسة للتضحية بالنفس، ما يستدعي قراءةً متأنية للدوافع الكامنة لتجنيد هؤلاء، على رغم جهود الأجهزة الأمنية في إحكام الخناق على أنشطة القاعدة، وفضح مخططاتها الإجرامية قبل تنفيذها. ويرى أستاذ الإعلام في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض الدكتور عبدالله الحمود، أن القاعدة لم تعد لها القدرة نفسها على استقطاب الأجيال الناشئة كما كان في السابق، سواء في مناطق ملتهبة أو مستقرة، نتيجة للعمليات الاستباقية التي تنفذها أجهزة الأمن حول العالم، لافتاً إلى أن التنظيم ليس وليد اليوم، فخلاياه قادرة على التحرك والتشكل بحسب الظروف، والتعامل مع المستجدات، واستغلالها بما توافر لها من خبرات ومهارات «استخبارية»، وخلق خطط بديلة تتكيّف وفق عاملي المكان والزمان. وقال: «لا يمكن القول إن مجمل فلول القاعدة تحت السيطرة، فهناك خلايا لم تكشف بعد، وجماعات القاعدة ليست مرتبطة بهيكلية إدارية تقليدية، لكن الارتباط بالجماعة الأم فكرياً يشبه حديث الروح». وعن سبل الإقناع والتغرير بصغار السن، أوضح أن هناك وسائل عصرية كالإنترنت ومواقع الشبكات الاجتماعية يمكن التعامل معها بسهولة، وإيصال الأفكار من خلالها، إذ إن القاعدة موغلة في استخدام العاطفة أكثر من أي وقت مضى من وجهة نظرها، وقلب الحقائق عندما توظف قضايا الأمة لمصلحتها كقضية هيمنة الغرب على العالم الإسلامي، ووجود أنظمة عميلة له، والتداعيات التي تحدث في دول العراق ولبنان والسودان، كلها قضايا من الممكن تجييرها لمصلحة فكر القاعدة، وإيجاد حال «تعاطف» أشبه ب«جوازات سفر»، لاستخدامها في استقطاب هؤلاء الصغار. وتحفظ الباحث في التنظيمات الإسلامية يوسف الديني على استخدام مصطلح «المغرر بهم»، كون استخدامه محاولة لفهم انخراط مجموعات صغير في السن في أفكار معقدة جداً. فالتنظيمات الإرهابية تستغل الفراغ الفكري أو النفسي، ليتم تحويل هؤلاء الشبان إلى نماذج جاهزة للتفجير والقتل، «لماذا لا يطلق عليهم «اللا مفكر بهم؟»، فإغفال خطر تسرب أفكار تخريبية إلى عقول هؤلاء إما لأسباب عاطفية أو نفسية، يأتي نتيجة لعدم التفكير فيهم، وتأثير الأقارب أو شبكة الأصدقاء فيهم أقوى من احتمال توصلهم لقناعات فكرية». وشدد الديني على أن ارتباط التجنيد وتنشئة أجيال جديدة على فكر «القاعدة» مرهون بالمنظومة الاقتصادية، وتوافر مبالغ مالية كبيرة لتمويل هذه الخطط، وهذا يؤكد أن وراء هذا التجنيد ارتباطات للقاعدة بمنظمات وجهات خارجية، ما يدل على أن القاعدة في مرحلة كمون وليست مرحلة ضعف، فعندما تتلقى ضربات موجعة، تتوقف قليلاً لالتقاط أنفاسها ومراجعة خططها، وتجنيد مجموعات جديدة لتنفيذ أهدافها. وأكد أن المرحلة التي تظهر فيها على الشاب العادي علامات التدين والحديث عن نصرة المسلمين وقضية الجهاد هي المرحلة الأخطر والأحوج للدراسة والتأمل، وليست المراحل المتطورة لاحقاً والتي تركز عليها الدراسات وجهود المناصحة.