آمل في العثور على شيء يشبه الحب، إنما من دون مشكلات الحب. كم أتمنى هذا! ليس لنفسي فقط، بل لكل المحبين بكل ألوان الحب وأنواعه، بأي حب كان لكائن من كان. لكم يبدو سهلاً هذا الحب، لكن ليس في هذه الدنيا ما هو أصعب منه، سواءً أكان حب الأم أو حب المال والبنين أو السلطة أو حب الوطن أو العمل أو المطر وأوراق الشجر أو الصديق، وأي حب يخطر لك على بال، فليس ثمة ما هو أكثر غموضاً وتعقيداً منه وأقل ثباتاً من مشاعره، وكلما غصت فيه أكثر غرقت ما بين وهمه والوعي وضعت ما بين حقيقته والالتباس من الشك واليقين. وما زلنا نحب! وما زلت ألفّ وأدور وأعود طائعة لأكتب عنه، ولأشركك وأشاركك عزيزي القارئ جزيل الشكر أنت ومعك كل محرري هذه الجريدة للسماح لي لأن أندس، رغماً عنكم وأكتب لكم عن هذا الشيء الرائع البلسم والمؤلم والجميل والبشع الساكن فيكم ما بين الأذين والبطين والساري في شرايينكم، والذي لا أحد منا يدري متى يقع، وليد اللحظة أم عشرة العمر والتجربة، أم أن يجد الواحد نفسه في محراب حب مات قبل أن يولد أم أن يبعث أو يعبث. لكن في الرحلة، رحلة العمر حب دائم قد يضعف، يخبو، يشتد، يرحل ليعود بصورة مختلفة، إنما هو دائم الحدوث على مدار الساعة وغن اختلفت مواقيته، فمتى يقع حب الوليد في قلب أمه، وهو جنين أم لحظة الولادة أو في الشباب أم أن الدم يحن دوماً؟ ومتى تحب وطنك؟ ألأنه يعطيك أم لأنك أعطيته؟ وتحب للمال ليخدمك أم لتصبح خادمه؟ قد نظل أنا وأنت حتى الصبح نتساءل عنه وعن ألوانه في الهيام والعشق والوله والغرام والغيرة وظنونها والثقة واحترامها والكرامة وإذلالها والسكينة فيه والاستكانة إليه والعاصفة فيه وهدوئها، وننتقل إلى الأنانية الخالصة والعطاء حد التضحية تم الإخلاص والخيانة وسوء الظن وسوء الفهم وسوء الاختيار، لكن أليست هذه المشاعر ما تعيش بها ليل نهار؟ بأنه هو، هو هذا الحب الذي يهز حياتك ويهزهزك لتنام ولتصحو، هو المحرك الذي يجعلك تقوم من مقعدك لتذهب إليه، أكان حب الحبيب أم البحر أم المعمل أم مسقط الرأس. إنه الحب الذي لا بد منه ولا يد لنا فيه! كيف تتعايش معه إذنْ؟ وكيف تحل مشكلاته من دون صدامات وبأكثر الأرباح وبأقل الخسائر؟ أو دعني أقول بأقل ألم. كيف لا تتجاوز حدوده ولا تدع للسخط والغضب مكاناً؟ كيف تجعل الوداعة أقرب إليك من الشراسة؟ كيف نحب؟ درس علينا أن نتعلمه حتى نوازي مشاعر قلبنا مع تحكيم عقلنا. كيف نحبس الدموع ومتى ندعها تنطلق مالحة تجري على الوجه بحرية وتلتهب لتحرق ما تبقى من الذكريات؟ كيف نخبئ الأدلة الدامغة لنمحو زمناً وكيف نقدم البراهين الصادقة لنبدأ زمناً آخر؟ كيف نتحكم في مشاعرنا وفي الوقت ذاته كيف لا نتسلى بالحب؟ أن نفهم أنه تكثيف للذات وليس ترويح عن النفس. كم نحب وكم لا نفهم ولا ندرك أبعاده ولا نتقن فنون وأساليب حروب الحب الضروس. نعم فقد يكون هو قوتك وفيه قد يكمن ضعفك، ولذا قد تموت من السعادة به وقد تحيا في التعاسة بسببه. فمتى ترضخ له؟ ومتى تستعين بالكبرياء لمواجهة خريفه؟ أسئلة وأسئلة وكل هذا بحثاً عن تلك الطمأنينة، بحثا عن من يقول لك بأنني هنا حتماً هنا كي أحبك، كي أحتمل آلام الحب في الحياة التي لا ترد جميله إلا بلحظة بهجة. كل هذا الكر والفر والمقاومة والغزو، وكل عذابات الحب هذه بكل أنواعه وتقلباته وخرافاته والتحصينات منه والتضحيات لأجله، حد أن ندفع بصمت ثمن الآلام التي تحطم الحياة لنصل إلى هذه الطمأنينة بأننا هنا لبعضنا، حتماً هنا لنحب! أفلا يستأهل هذا الحب أن نعطيه الطمأنينة والسلام من دون هذا العذاب كله؟ خلف الزاوية يا من وضعت عبير الحب في قلمي لكي تفوح حروف الشعر في القمم دوماً سأذكر ما قدمت من فرح وسوف أمسح ما سببت من ألم [email protected]