توحي التحركات الخارجية في اتجاه لبنان، والتحركات اللبنانية في اتجاه الخارج، وآخرها زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بيروت التي ميزتها حالة من الاحتضان الشعبي والرسمي لقدومه، بأن ثمة توافقاً إقليمياً ودولياً على احتضان الوضع اللبناني لتحصينه من أي انفجار او اهتزاز لاستقراره، بعدما بدا خلال الأشهر الماضية ان أزمته نتيجة الانقسام على المحكمة الدولية، قابلة لأن تتحول الى مأزق تنتقل معه الأزمة الى الشارع وتؤدي الى انقلاب في أوضاعه السياسية بحيث يصبح الكلام عن الفتنة أمراً واقعاً يصعب رده. وثبت ان تفادي الفتنة، بضغوط إقليمية ودولية للحؤول دونها ممكن، وثبت ايضاً ان ما قاله رئيس الحكومة سعد الحريري وفريقه وبعض القيادات اللبنانية منذ اندلاع أزمة «القرار الاتهامي» التي هدد «حزب الله» بإمكان انفلاتها نحو الفتنة منذ شهر تموز (يوليو) الماضي، عن ان قرار الفتنة في يد القيادات اللبنانية، هي التي تسمح بحصولها وهي التي تحول دونها، يعني ان هذه الفتنة ليست قدراً محتوماً، على الأقل هذا ما توحي به حال التهدئة النسبية منذ اكثر من اسبوعين. قد لا تكون التحركات الخارجية في اتجاه لبنان كلها منسقة، إلا انه ليس صدفة ان يشهد الأسبوعان الماضيان هذا القدر من الإحاطة الخارجية للبنان، بدءاً بزيارة وزير الخارجية الفرنسي السابق برنار كوشنير بيروت، ثم زيارة الحريري موسكو، ثم السعودية، وزيارة زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون فرنسا التي ستليها الأسبوع المقبل زيارة للحريري وقيادات لبنانية أخرى، مروراً بزيارة رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم آل جبر آل ثاني لبنان، وزيارة الرئيس ميشال سليمان قطر وزيارة أردوغان التي تليها غداً زيارة الحريري طهران والحبل على الجرار. ومع ان اللبنانيين يختلفون حول هدف التحركات الأميركية في اتجاه لبنان وكذلك مواقف الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، فإن هذا لا يلغي انها جزء من الإحاطة الخارجية للأزمة اللبنانية. فواشنطن تضع حركتها وحلفاءها في خانة العمل لإحداث توازن في الضغوط على عناصر الأزمة اللبنانية. إلا ان القاسم المشترك بين هذه التحركات الخارجية، والآتي منها، يتلخص بالآتي: 1- التسليم ضمناً، أو علناً، بحسب كل دولة أو فريق، بأن لا مجال لإلغاء المحكمة الدولية أو التأثير في القرار الاتهامي الذي سيصدر عنها، والسعي الى التعامل مع تداعياته سواء بخطوات تتخذ قبل صدوره، أو بعد صدوره أو الاثنين معاً. 2- دعم وتأييد الحوار السعودي – السوري المتواصل بعيداً من الأضواء حول صيغة تسوية بين اللبنانيين. وفي الحد الأدنى انتظار نتائج هذا الحوار للتفاعل مع مضمونها، وعدم استباقها. هذا فضلاً عن ان ثمة أطرافاً تراهن على هذه النتائج مهما كانت وأخرى تواكبها لمعرفتها بخطوطها العريضة، في موازاة تكتم شديد في شأن فحواها وحصر التداول فيها بعدد محدود جداً من كبار المسؤولين في المملكة العربية السعودية وفي سورية. 3- ضمان الاستقرار في لبنان وعدم أخذه نحو الهاوية باعتباره ضماناً لعدم اهتزاز الاستقرار في المنطقة، في وقت يسعى المجتمع الدولي الى إيجاد صيغة لاستئناف عملية السلام. 4- ان معظم هذه التحركات يتميز باحتضان موقف الرئيس الحريري باعتباره عنصراً محورياً في أي تسوية، ورمزاً لإمكان إدامة الاستقرار، بالاستناد الى ثباته على التمسك بالمسعى السعودي – السوري والتهدئة استناداً الى اتفاق الدوحة مقابل رفضه الضغوط التي توالت عليه خلال الأشهر الماضية، وهي ضغوط هائلة. إذا نجحت الإحاطة الإقليمية والدولية للوضع اللبناني في تطويق أسباب التوتر فيه واحتوائها ريثما تنضج التسوية التي تعدها الرياض ودمشق، في صيانة الانتظار اللبناني تمهيداً لتسوية ما، فإن هذا يفترض بفرقاء كثر أن يتهيأوا لدفع أثمان يفرضها التعقّل الذي توجبه أي تسوية. فخلال الأشهر الماضية خرق كثيرون سقف التعقل وأخذتهم ألسنتهم الى حافة الهاوية، من دون أي اعتبار لآثار صب الزيت على النار. ومع هذه الإحاطة الخارجية والاحتضان الإقليمي للوضع اللبناني على أمل تسوية ما، فإن عناوين التصعيد التي اعتمدت في الأشهر الماضية، ومنها موضوع شهود الزور الذي عطّل الدولة وأوقف اجتماعات مجلس الوزراء تصبح بلا جدوى قياساً الى ما يجري تحضير لبنان له. فهو أحد العناوين التي افتُعلت من أجل التأزيم وليس من اجل مخارج الحلول.