أستاذ العلوم السياسية في جامعة ساوث كاليفورنيا جوزيف أولمرت يقدّم غداً ورقة بحثية إلى المؤتمر السادس لحوار الشرق الأوسط في واشنطن. تحمل الورقة، وفقاً للبرنامج الموقت الذي أعلنته «منظمة العلوم السياسية PSO» التي تتولى تنظيم المؤتمر منذ سنة 2012، العنوان «إسرائيل- فلسطين- مصر- الأردن: التحالف الشرق أوسطي كحل إقليمي». وتعود أهمية الإطار العام المعلن للورقة إلى أمرين، أولهما أنها تبدو تطويراً لطروحات صهيونية سابقة، قد يكون أهمها ما طرحه قبل تسع سنوات، في واشنطن الجنرال الإسرائيلي المتقاعد غيورا أيلند، والثاني أن أولمرت تبنى استراتيجية تنسجم مع شواهد متواترة توحي بأن حل الدولتين يتراجع وبأن القوى الصهيونية، في إسرائيل وفي عواصم العالم الفاعلة، تعمل على صوغ بديل عنه. فهل يكون البديل هو حل الدول الثلاث؟ لكن هذا الحل ليس جديداً، على الأقل منذ أعلن جيكوب سافيغ أن حل الدول الثلاث خطا خطوة حاسمة باتجاه التحقق مع استقلال منظمة «حماس» الفلسطينية بحكم غزة، في مقال نشرته «لوس أنجليس تايمز»، بعد أسبوع من انفراد «حماس» بالسلطة في القطاع (20 حزيران - يونيو 2007). وبعد سافيغ، تحدّث كثيرون عن حل الدول الثلاث. وقد تجد تلامساً حذراً وممنهجاً مع هذا المقترح في الورقة البحثية التي تقدّم بها غيورا أيلند إلى معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، بعنوان «إعادة النظر في حل الدولتين» (أيلول- سبتمبر 2008). تُدْخِل ورقة أيلند تعديلات على حل الدولتين وإن بقيت ملتزمة به، في ظاهر نصها. لكن التعديلات ترسي أسس حل الدول الثلاث. وقد تجد جوهر تصورات أيلند في عبارتين وردتا في ورقته، وهما «الكرم المصري» و «غزة الكبرى». ودمجت الوزيرة اليمينية الإسرائيلية أيليت شاكيد العبارتين في مفهوم واحد: «أن يكون حل المشكلة الفلسطينية إقليمياً ولا تنفرد إسرائيل بتحمل أكلافه» (إسرائيل اليوم- 8 أيلول 2014). وفي هذه العبارة ملامسة حذرة وممنهجة للتصورات التي يطرحها أولمرت، غداً في واشنطن. ففي الملخص المنشور لورقة أولمرت أن «مصر ستشارك في حل مشكلات غزة. وقد أظهر الرئيس السيسي الاستعداد لذلك. وسيتعاون الأردن، في ما يخص الضفة الغربية. أما إسرائيل فستتراجع اعتراضاتها على تنازلات إقليمية سخية، عندما تجد أن مصر والأردن شريكان في الحل. وستكون السلطة الوطنية الفلسطينية أكثر اطمئناناً، مع وجود ضمانات من مصر والأردن، ومظلة اقتصادية إقليمية». هذا يجعل الحل الذي تدفع باتجاهه إسرائيل «إقليمياً ولا تنفرد إسرائيل بتحمل أكلافه»، كما أرادت الوزيرة اليمينية، قبل أكثر من عامين. وعموماً، فما سيقول أولمرت ستتعين قراءته في ضوء ما تتخذه إسرائيل من «خطوات لتكريس دورها في مقاسمة السلطة الفلسطينية إدارة شؤون الفلسطينيين» في منطقة «تشكل 40 في المئة من مساحة الضفة» (الحياة- 28 شباط- فبراير المنصرم) هي المجال الذي تتقرر في فضائه حدود المشاركة الأردنية. فهل نحن نمضي، في اتجاه نهاية لأخطر وأقدم أزمات المنطقة؟ الواضح، حتى الآن، أن إسرائيل ما زالت تتمرغ في أوحال الفصل العنصري الذي تفرضه إمبراطورية صغيرة أسستها حرب 1967. سمّى العرب هزيمتهم في تلك الحرب «النكسة»، حتى تبدو حدثاً عارضاً في مسيرة مطولة. وعندما كلف الإسرائيليون قائدهم المنتصر في تلك الحرب إسحق رابين بأن يختار لها اسماً، سماها «حرب الأيام الستة»، في إشارة إلى خلق العالم في ستة أيام. لكن الحرب لم تُعِد خلق العالم، بل أعادت خلق إسرائيل، بتعزيز الثقافة العنصرية عبر إضعاف احتمالات التعايش مع «الآخر العربي»، التي انطوى عليها وعد بلفور (وثيقة ميلادها)، وأعادت خلق العرب بتعميق يأسهم وشعورهم بالهوان. وعلى رغم نتائجها الكارثية، بدا، للوهلة الأولى أن تلك الحرب قد تكون مقدمة لتفعيل حل الدولة الديموقراطية العلمانية، الذي نادى به اليسار العربي منذ 1944، وتبنته بعد ذلك فصائل مقاومة فلسطينية عدة. لكن غرور المنتصر أسقط حل الدولة لمصلحة فصل عنصري يتخفّى وراء تلويح بحل الدولتين، ثم توارى هذا الأخير مع تعمّد إسرائيل إضعاف السلطة الفلسطينية والعبث بمحادثات السلام. ثم استغلت إسرائيل الشطط الأصولي في غزة، منذ 2007، للترويج لحل الدول الثلاث. فهل يعد الحديث عن ضمانات إقليمية للحل هرباً للأمام، باتجاه جديد مخالف لكل ما سبقه؟ الأقرب إلى المنطق أن تكون طروحات أولمرت دعوة للتخلّي عن المعالجات الثنائية للصراع، كإطار أصرّت عليه إسرائيل منذ محادثات رودس (1949)، والانتقال إلى إطار إقليمي، كأمر يتسق مع الأدوار غير المسبوقة التي تلعبها الدول المنوط بها رعاية الحل الإقليمي المقترح وإسناده، وهو ما يميز سياقات التحوُّل الراهنة، عن كل سياقات الهندسة الإقليمية السابقة للقسم العربي من العالم العثماني القديم. وقد تكون الأدوار المميزة لهذه الدول ضماناً لجعل ذلك الحل- الذي يأتي بعد حل الدولة، والدولتين، والدول الثلاث- ويحمل ملامح من كل واحدة منها، مقدمة لتفكيك الإمبراطورية، واقتراباً من إنهاء العنصرية الإسرائيلية واليأس العربي. * كاتب مصري