وصل «حل الدولتين»، بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الى حائط مسدود؛ أما حل «دولة ديموقراطية ثنائية القومية» فهو يبدو أكثر استحالة، بمراحل، من أي حل آخر. فوفق العقل السياسي، الاستراتيجي والأمني، الإسرائيلي، يقف الصراع العربي-الإسرائيلي إزاء سيناريوات محدودة ومعدودة. يلخص الجنرال المتقاعد غيورا ايلند، المدير السابق لمجلس الأمن القومي والرئيس السابق لدائرة التخطيط في الجيش الإسرائيلي، في مذكرته المعنونة «بدائل إقليمية لحل الدولتين»، هذه السيناريوات بأربع مقاربات: المقاربة الأولى، وهي أنه ليس هناك من حل في المدى المنظور: «إدارة النزاع» هي خير من حلّه. فالأرض الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط هي أصغر بكثير من أن تكون قابلة للقسمة على إثنين. كما أن إخلاء المستوطنين من الضفة سيكون مستحيلاً، من وجهة نظر دينية، الى جانب أن التكلفة المالية لتحقيق ذلك ستتجاوز الثلاثين مليار دولار وهي تكلفة لا يستطيع الاقتصاد الاسرائيلي تحملها. أما الانسحاب من معظم أراضي الضفة فهو عمل سيترك إسرائيل من دون «حدود يمكن الدفاع عنها». كما أن اسرائيل لن تقبل بالتنازل عن الحرم القدسي أو القبول بعودة اللاجئين. زد الى ذلك كله، يضيف ايلند، «خطر أن تتمكن حماس من وضع يدها على الضفة». المقاربة الثانية، وتتمثل في محاولة تحقيق «حل جزئي موقت». هذا الحل يتطلب منح الفلسطينيين مزيداً من الأراضي لتأسيس دولة «ذات حدود موقتة». في المقابل سيكون الفلسطينيون مطالبين ب «إنهاء الصراع» وتقديم اعتراف متبادل كامل. هذا الحل سيوفر إمكانية تأجيل قضايا اللاجئين، القدس، والحدود الدائمة الى «ما لانهاية». المخاطر المصاحبة لحل كهذا هي أن الصراع قد يتجدد. المقاربة الثالثة، وهي محاولة التوصل الى «اتفاق دائم» يعتمد على مبدأ «دولتين لشعبين». المقاربة الرابعة، وهي محاولة التوصل الى «حل دائم». لكن هذا الحل لن يعتمد على صيغة «دولتين لشعبين»، بل سينهض على البحث عن حلول أخرى. ويذهب ايلند الى أن كل رؤساء الوزراء الاسرائيليين، من بيغن حتى اولمرت، «تطوعوا» للبحث عن حلول. ويشير الى عرض «الحكم الذاتي» الذي قدمه بيغن للسادات. كما يشير الى مشروع «الكونفيدرالية»، أو الفيدرالية، «الأردنية الفلسطينية» الذي قدمه الملك حسين لشمعون بيريز، في وقت مبكر. لكن شامير رفض الفكرة قائلاً إن «المشكلة الفلسطينية هي مشكلتنا». يجد ايلند أن المقاربات الثلاث السابقة غير ممكنة عملياً وواقعياً. فالفجوة بين الفلسطينيين والإسرائيليين لا يمكن جسرها. فهو يرجح، بالتالي، المقاربة الرابعة، أي تلك التي يسميها «البدائل الاقليمية». وبسبب أن ايلند يعزو الفشل في التوصل الى حل الى حقيقة أن «الحد الأقصى الذي تستطيع أي حكومة إسرائيلية تقديمه لا يستطيع أن يلبي الحد الأدنى الذي تستطيع أي حكومة فلسطينية قبوله»، فإنه يطالب بالتفكير «خارج الأطر القائمة». فمكمن الخطأ، بالنسبة اليه، هو أن تلك الحلول تفترض أن حل المسألة الفلسطينية هو واجب إسرائيل وحدها. وبسبب أن ايلند يرى أن للصراع بعدين، عربياً وإسلامياً، فإنه يطالب الدول العربية والإسلامية بإقامة علاقات طبيعية كاملة مع اسرائيل. وحيث إن إسرائيل لا تجد في تطبيع علاقاتها مع الدول العربية «تعويضاً» كافياً عن تقديمها تنازلات للفلسطينين، فإنه يطالب الدول العربية الثلاث، الأردن والسعودية ومصر، والتي تتمتع بأراض شاسعة، بأن تقدم «بعضاً من أراضيها» لإنجاز الحل الذي «سيستفيد منه الجميع». هناك حلان أساسيان، في نظر ايلند، وحل ثالث مُركّب من هذين الحلين. ويعتقد ايلند أنه ستكون لتلك الحلول فرص نجاح أعلى من الحلول التقليدية. الحل الإقليمي الأول: «فيدرالية أردنية-فلسطينية» تتكون من ولايتين هما الضفة الشرقية والضفة الغربية، بالمعنى الاميركي لفكرة ولاية. أي أن الدفاع والخارجية تظلان في يد الحكومة الفيدرالية في عمان. الفائدة التي يحصل الأردن عليها من حل كهذا، بالنسبة الى ايلند، هي عدم السماح للإخوان المسلمين «بالسيطرة على الضفة وبالتالي السيطرة على الأردن». الحل الإقليمي الثاني هو ما يسميه ب «تكبير الكعكة»، أي توسيع الرقعة الجغرافية للحل. ويتمثل هذا في أن تقوم مصر بتقديم 720 كيلومتراً مربعاً من الأرض المصرية لتكوين ما يسمى ب «غزة الكبرى»، ذلك أن المساحة الحالية لغزة ستضيق بعدد سكانها المتنامي والذي سيصل ليصبح مليونين ونصف المليون عام 2020. مشروع «غزة الكبرى» سيضاعف مساحة غزة ثلاث مرات. وبسبب أن 720 كيلومتراً مربعاً تعادل 12 في المئة من مساحة الضفة، يقوم الفلسطينيون بالتنازل عما يعادل هذه النسبة من أراضي الضفة لإسرائيل. وفي مقابل الأرض التي ستقوم مصر بمنحها لغزة، تقوم إسرائيل بمنح مصر ما يعادل مساحة تلك الأرض في جنوب غربي النقب، في إقليم باران. من الفوائد العائدة لمصر من هذا المشروع سماح إسرائيل لها ببناء نفق يربط مصر بالجزء الشرقي من الشرق الأوسط. سيكون طول النفق عشرة كيلومترات وتحت السيادة المصرية. كما ستقوم فرنسا بمساعدة مصر على بناء مفاعلات لإنتاج الطاقة الكهربائية، ويقوم البنك الدولي بمساعدة مصر، الدولة الزراعية التي تعاني نقصاً حاداً في المياه، على بناء محطات تحلية مياه. أما الفوائد الاقتصادية التي سيجنيها الأردن فتتمثل في ما سيقدمه مشروع بناء ميناء في «غزة الكبرى» من منافع. فالميناء سيكون بمثابة خط إمداد للبضائع الاوروبية الى العراق والخليج عبر الأردن. في موازاة مشروع «البدائل الإقليمية» هذا، يواصل نتانياهو تطبيق مشروع «السلام الاقتصادي». وهو مشروع لا يختلف كثيراً، في ماهيته، عن مشروع «البدائل الإقليمية» سوى بأنه يقدم أقل مما يقدم سابقه. وينهض مشروع نتانياهو على فكرة أن تحسين الأوضاع المعيشية للفلسطينيين في الضفة أمر من شأنه أن يمهّد الطريق لحل سياسي يكون جوهره «الدولة اليهودية» مع ادارة مدنية للضفة. المشروعان يهدفان الى تفكيك أي شكل من أشكال «الكيانية الفلسطينية» ويعملان على جعل خيار «دولة واحدة ديموقراطية» خياراً مستحيلاً عبر تمسكهما المطلق ب «الدولة اليهودية». من الواضح أن الفلسطينيين باتوا، الآن، بين مطرقة مشروع «البدائل الإقليمية» ومشروع «السلام الاقنصادي»، ويبدو أن خريطة الانتخابات الاسرائيلية المقبلة تجرى ضمن هذا الإطار، ولا يبدو أن الإدارة الاميركية الحالية تعترض عليه. في المرحلة المقبلة سيتقدم الفلسطينيون بطلب العضوية غير الكاملة الى الأممالمتحدة. وهم سيكونون على «مفترق طرق» كبير. إنه المفترق الذي سيدفعهم الى إعادة النظر في خياراتهم الاستراتيجية المقبلة، فإسرائيل لا تستطيع التعامل معهم إلا بصفتهم «فائضاً سكانياً» لا غير. * كاتب فلسطيني