تمكنت قوات «درع الفرات» المدعومة من تركيا من السيطرة على مدينة الباب أكبر معاقل «داعش» في ريف حلب. وتواصلت العمليات العسكرية ليسيطر الثوار لاحقاً على بلدتي بزاعة وقباسين، إثر انسحاب «داعش» منهما، كما سيطر الثوار على قريتي الكريدية وأم حميرة شرق مدينة الباب بعد معارك معه، وخاضوا معارك موازية مع قوات سورية الديموقراطية «قسد»، فسيطروا على بلدة جبلة الحمرة جنوب شرق الباب. وتأتي أهمية السيطرة على الباب من إنهائها فعلياً التنظيم في ريف حلب، فقد كانت من أبرز معاقله في سورية، كما تحتل الباب موقعاً استراتيجياً، مما دفع الجميع للمشاركة في سباق السيطرة عليها. يقول الخبير العسكري العقيد أديب العليوي: «للسيطرة على مدينة الباب مكاسب سياسية وعسكرية، ومن المعروف أن الباب هي المنطقة الأعقد والتي كانت القوى تتصارع عليها». يذكر أن معركة السيطرة على الباب مرت بمرحلة من الفتور، قبل أن تتسارع العمليات، ولا سيما بعد اقتراب قوات النظام السوري والميليشيات الداعمة له من جنوب الباب. يقول أنش شيخ ويس، قائد «فيلق الشام» في الشمال: «بدأت المرحلة الأولى بعملية انغماسية من الجيش الحر مدعومة برتل مدرعات وآليات»، لقطع الطريق على قوات الأسد وقوات سورية الديمقراطية، ثم تبع ذلك السيطرة على منطقة الدانا من الغرب، يتابع: «طوّقت الباب من الشمال بالسيطرة على عويلان وقديران، ومن الشرق تمت السيطرة على العجني وجب البرازي وتلة الزرزور وقبر المقري». وبدأت المرحلة الثانية بالسيطرة على الصوامع وجبل الشيخ عقيل الاستراتيجي. وفي المرحلة الثالثة، بدأت السيطرة الفعلية على المدينة، يقول شيخ ويس: «بدأ الاقتحام من محاور عدة: من الجنوب قطع طريق الإمداد مع تادف، ومن الغرب تم الاقتحام من شارع زمزم لوسط المدينة، ومن جبل الشيخ عقيل إلى المنشية، ثم إلى دوار الراعي». ويضيف: «كان هناك استشراس غير مسبوق لدى داعش، فأحياناً يصل عدد المفخخات لأربع في اليوم الواحد»، وما صعب المعركة على قوات درع الفرات كثرة الأعداء والمنافسين، ويقول شيخ ويس: «أصعب أمر واجهناه كثرة الأعداء من كل الاتجاهات، وغالباً كنا نتعرض لهجوم منسق بين داعش وبي كي كي أو بين الطيران وداعش أو قصف من عصابات الأسد وداعش». وتعاني مدينة الباب وضعاً مأسوياً، فالبنية التحتية وفق رئيس المجلس المحلي طلال عابو منهارة تماماً. فقد تعرضت المدينة لمئات الغارات الجوية من النظام والروس والتحالف الدولي والطيران التركي أخيراً ناهيك عن مفخخات «داعش» والقصف المدفعي. ويضيف عابو: «حجم الدمار يفوق 70 في المئة، والألغام كثيرة، ومنتشرة في كامل المدينة، والطرق مقطعة» وهذا يصعّب عودة الأهالي، فلا بدّ من تضافر جهود جميع الجهات مؤسسات وأفراد للعودة». وتابع عابو: «هناك مراحل عدة لإعادة الحياة الطبيعية للمدينة. البناء يبدأ من إزالة الأنقاض وفتح الشوارع، ونزع الألغام، وتوفير الحاجات المعيشية الأساسية من ماء وكهرباء وخبز ونقاط طبية. وفي المرحلة الثانية يتم تأهيل المنشآت العامة الخدمية والمدارس والمرافق الطبية». ويرى ناشطون أن فرحة الثوار بطرد التنظيم من المدينة لم تكتمل لأسباب عدة، الأول يتمثل بسيطرة قوات النظام السوري على مدينة تادف جنوب الباب، والثاني يتمثل بالسيطرة على بلدة جب الخفي، وبالتالي الالتقاء مع قوات سورية الديموقراطية حليف النظام السوري وفق ما يعتقده الثوار، وبذلك فشل الأتراك بمنع اتصال عين العرب بعفرين على رغم أن الرابط الحالي هو النظام السوري لا الكرد أنفسهم، فغدا النظام جسر عبور بين الطرفين، كما تم وصل دمشق بالحسكة عبر طريق بري للمرة الأولى منذ عام 2012. وأعلن المجلس العسكري لمدينة منبج وريفها، التابع لقوات سورية الديموقراطية عزمه تسليم النظام عدد من القرى في ريف منبج الغربي، الواقعة على خط التماس مع قوات درع الفرات، بالاتفاق مع الجانب الروسي. وتعد هذه الخطوة ضربة موجعة من قبل الروس وقوات سورية الديموقراطية لدرع الفرات وتركيا. ويهدف النظام السوري من قطعه الطريق على قوات «درع الفرات» باتجاه الرقة وفق مراقبين إلى فرض نفسه كلاعب رئيس في الحرب على الإرهاب، واستبعاد الجيش الحر من هذه الحرب، ويؤكد عسكريون أن التقدم الأخير سببه الأول استبسال الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران لقطع الطريق على تركيا، والسبب الثاني انسحابات «داعش» الدراماتيكية أمام قوات النظام لخلط الأوراق. وفعلاً نجح التنظيم في خلط الأوراق لحد ما، فهناك أربع قوى تتأهب للسيطرة على مدينة الرقة؛ النظام السوري، قوات سورية الديموقراطية، وقوات النخبة، والثوار المدعومين من تركيا. وقد حصلت مناوشات بين قوات «درع الفرات» المتمركزة في الباب، وقوات النظام التي سيطرت على تادف أخيراً وسقط قرابة 22 من قوات النظام بين قتيل وجريح وفق ناشطين، كما يتوقع نشوب معارك دامية بين «درع الفرات» و»قسد»، إذ تصر قوات درع الفرات على طرد «قسد» من منبج وكل المناطق العربية شرق الفرات. ويرى آخرون أن قوات «درع الفرات» انتهت واقعياً، وتحولت لمجرد حامية تركية خلافاً لما يدعيه قادتها من أهداف ثورية تهدف إلى استئصال النظام والتنظيم معاً، فقوات «درع الفرات» لا تستطيع الآن التمدد متراً واحداً، ذاك أن «سورية الديموقراطية» مدعومة أميركياً، وقوات النظام مدعومة إيرانياً وروسياً.