أحد الشيوخ على قناة خليجية ممن يتسع صدري لحديثه وأجل علمه وأقدره، سمعته قبل أيام وهو يقع في خطأ يقع فيه معظم شيوخنا حين يسترسلون في حديث ذي نزعة ذكورية ظاناً أنه لن يحاسبه أحد على حديث، فأصحاب المصالح والقوى من الذكور لن يلوموه طالما أن كل التفاسير والقراءات تصب لمصلحتهم ويصبح التغاضي عن بعض القصور في حق طرف مستضعف لا يملك السلطة من سقط الحديث. وحين اقول لا يراجع خطابه لأن خطابه ليس مستنداً إلى القرآن والسنة لكنه على العكس ربما خالفه، لكن خطاب التقاليد له سلطته في عقل الذكور، وهذا من سنن التفكير لكن أن يكون هذا العقل هو عقل شيخ جليل وعالم قدير فهو ما يحتاج إلى مراجعة. كان حديث الشيخ عن الحياء وفضل الحياء، وقيمة الحياء في الدين وأنه ما يمنع المرء من الإتيان بالقبيح من الأفعال والأقوال وأنه شعبة من شعب الإيمان، وكل هذا كلام لا غبار عليه لكنه حين عرج على فضل الحياء عند النساء فمن ملامحه الأولى ألا ترفع صوتها بين الرجال، فقلنا لا بأس رفع الصوت مذموم بين النساء والرجال، ثم قال إن من الحياء ألا تأكل المرأة مع زوجها، وراح يتغنى بجمال حياء المرأة التي لا تأكل مع زوجها، سأتوقف عند هذه الجزئية وأترك جزئية مديحه للزوجة التي تصل الى الستين من العمر لكنها تنام مع زوجها بحياء عذراء بتول. وأقول إن هذا القول لا أظن أن الشيخ نفسه يفعله مع أهل بيته من زوجته وبناته وأقول هذا الكلام لأنني لست بحاجة للقول بأن هذا الفعل معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يتسابق مع عائشة ويحملها على ظهره للتفرج على الأحباش وهم يرقصون، وفي حديث رفض دعوة عشاء ما لم تصحبه عائشة رضي الله عنها، فما بالك باجتماعه على قصعة من طعام لم نعرف انفصالها عنها سوى عند اقوام عرفوا بخشونتهم مع النساء بل وزادوا عليها بأن الرجل لا يعرف وجه زوجته وقد تموت وهو لم ير وجهها إلا نادراً! أقول إن الشيخ، مثل معظمنا في بيوتنا يأكل مع زوجته وقد عرفت من سماحة هذا الشيخ في معظم آرائه ما يؤكد لي أنه يفعل مثل ما فعل أبي مع أمي، وزوجي معي، الذين يحبون أن يتشاركوا نساءهم الطعام بل ويخصونهن بأفضله. لا أظن أن التغني بحياء المرأة التي لا تشارك زوجها الطعام هو خطاب عاقل للواقع ولا عاقل للدين، انما هو انسياب واستطراد في صنع الدمية التي لا تتوافق مع الواقع لكنها تتوافق مع خيال مشبوب يريد للمرأة أن تكون مسجونة في القصيدة وفي الجسد والفراش، لمتعة لحظات، مقابل جمود في الزمان والمكان والواقع والخطاب الفكري. المسألة ليست هنا في تناول طعام المرأة مع زوجها بل في اصرار فصل الخطاب الديني عن سياقه الواقعي الذي تكون من نتائجه ان يصبح خطاباً خرافياً أو مثالياً تطهرياً لا يورث في نفوس اصحابه غير الشعور بالذنب والإثم لبعد اصحابه عن تعاليمه أو اليأس منه وتركه. ان الخطاب الذي يلقيه بعض الشيوخ اليوم، مع شديد احترامنا، هو خطاب سيمر تحت عيوننا وسمعنا وعقلنا وسيراقبه نساء وذكور وسيعرفون مدى مطابقته للواقع وقيم العدالة والكرامة أو مسايرته للهوى والرغبات والقصائد المجردة التي تقرّب مصلحة الفراش على مصلحة الواقع والشارع والمدرسة والإعلام وهو خطاب لا يجد بأساً في طرد الزوجة من طعام مشترك مع زوجها وأولادها كي تفوز بصورة مثيرة في الخيال الحسي، هذا ما كان من شأن المرأة في الطعام، فما بالكم لو حدثتكم بشأنها في مكان آخر يمنعني الحياء من قوله لكنه قيل على مسمع من الفضائيات. [email protected]