لن يهدأ سعير الحرب بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووسائل الإعلام الأميركية الكبرى التي ستحشر البيت الأبيض وتضيق الخناق على الرئيس المشاكس وتلاحقه وتعري أكاذيبه، ولن تدعها تمر من دون رد. ترامب له تعريف خاص ل «الأخبار الكاذبة» وهي تلك التي تنتقده، بتوصيف صحيفة «تلغراف»البريطانية التي ذكرت ان «الخيط الفاصل بين الخطاب الخيالي والسياسات العملية ليس واضحاً ابداً»، ورجحت ان يقوم ترمب بتنفيذ وعده الانتخابي بتعديل قانون مكافحة التشهير ليسهل عليه مقاضاة وسائل الإعلام التي تنشر اخباراً مضلله. الا ان مشرعين اعتبروا ان مثل هذه الخطوة لن تمر لأنها تنتهك التعديل الأول في الدستور الذي يضمن الحفاظ على حرية التعبير. من سينتصر في هذه الحرب؟ لم يشهد العالم اي هزيمة للإعلام امام اي سياسي او مسؤول حكومي حتى الآن، ومسار الحرب الراهنة بين الطرفين ستحدده عناصر القوة التي تمتلكها مؤسسات الميديا وبنود الدستور والأعراف الديموقراطية التي تصونها مؤسسات الدولة الأميركية والقوانين. دخل عضو مجلس الشيوخ الأميركي الجمهوري جون ماكين على خط السجال بين ترامب والميديا محذراً من ان قمع حرية الصحافة» هو الطريقة التي يبدأ بها اي ديكتاتور عمله». وقال في تغريدة على حسابه على «تويتر» ان «النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية بني على اسس من بينها حرية الصحافة». وفسر محللون حرب ترامب ضد وسائل الإعلام بمحاولة ارضاء مؤيديه الأساسيين الذين يبحثون عن طرف غير البيت الأبيض يعلقون عليه فوضى الإدارة الجديدة، فضلاً عن ان ترامب اكتشف ان استراتيجية مهاجمة الصحافة التي اتبعها ساعدت على ايصاله الى البيت الأبيض. نقطة تحول إعلامي انعكست انتقادات ترامب للإعلام الأميركي في شكل ايجابي على العوائد المالية لمؤسسات صحافية كبرى مثل «واشنطن بوست» و «وول ستريت جورنال» و «نيويورك تايمز» و «فاينانشال تايمز»– طبعة اميركا- و «يوس اس ايه توداي» التي تكافح لجذب اعداد اكبر الى مواقعها الإلكترونية وطبعاتها الورقية، وذلك بزيادة الإعلانات فيها والتي ارتفعت وتيرتها منذ الحملة الانتخابية الرئاسية. ووفق تقرير لوكالة «رويترز» فإن هذا يعتبر» نقطة تحول لأن دخل الإعلانات كان انخفض، بخاصة في المطبوعات الورقية. وكانت صحف ورقية مثل «واشنطن بوست» تواجه افلاساً حتمياً مع تراجع توزيع طبعتها الورقية، اما الآن فلقد اعلنت زيادة عدد الصحافيين العاملين في مكتبها الرئيس في واشنطن». ويفيد استطلاع للرأي اجرته وكالة «إدلمان» الدولية للعلاقات العامة وشارك فيه اكثر من 33 ألف شخص في 28 دولة ان الثقة في وسائل الإعلام التقليدية بلغت ادنى مستوياتها، اذ هبطت الى 35 في المئة بعد ان كانت قبل عامين 41 في المئة. تشير البيانات والمعطيات الأخيرة الى ان ما يسمى «ترامب تيربيولنس» وتعني «عاصفة ترامب الهوجاء» قلبت الموازين والمؤشرات. فعلى سبيل المثال ارتفعت الاشتراكات في موقع صحيفة «نيويورك تايمز» التي وصفها ترامب بأنها ( فاشلة) الى رقم قياسي بلغ 276 الف مشترك في الربع الأخير من العام الماضي، كما وارتفت عوائد الإعلانات بنسبة 15 في المئة خلال الفترة نفسها. وتتوقع الصحيفة ارتفاع عدد المشتركين بحوالى 200 ألف مشترك في الربع الأول من العام الحالي. حققت صحيفة «وول ستريت جورنال» هي الأخرى ارتفاعاً ملموساً في عدد الاشتراكات بإضافة 113 الف مشترك الى خدماتها الإلكترونية الإخبارية في الربع الأخير من العام الماضي بزيادة قدرها 12 في المئة عن الربع الذي قبله. وقفز عدد الاشتراكات في الطبعة الإلكترونية لصحيفة «فاينانشال تايمز» بنسبة قدرها 6 في المئة في الربع الأخير من العام الماضي ووصل الى 646 ألفاً. وزاد ايضاً توزيع طبعتها الورقية في الولاياتالمتحدة. وإثر هجوم ترامب على مجلة «فانيتي فير» وناشرها ووصفه ب «البليد» ارتفع عدد قراء موقعها الإلكتروني بنسبة 100 في المئة عن الرقم اليومي العادي، وذلك بعد نشرها سلسلة اعلانات دعائية للمجلة تقول: «فانيتي فير المجلة التي لا يريدك ترامب ان تقرأها». وصف ترامب الصحافيين بأنهم (كذابون) و (حثالة) ثم ذهب الى الأبعد حينما قال انهم (أعداء الشعب الأميركي)، ولكن ما لم يتوقعه احد هو ان يخرج ترامب على قواعد السجال وينقل حربه الى ماوراء الحد الفاصل باعتقال صحافيين قاموا بتغطية احتجاجات رافقتها احداث شغب في بعض شوارع واشنطن يوم تنصيبه ومن المتوقع محاكمتهم بتهمة اثارة اضطرابات والتعدي على رجال الشرطة والتي تصل عقوبتها الى السجن 10 سنوات. المعتقلون هم: ايفان انجيل منتج فيديو في موقع «فوكاتيف» وألكسندر روبنشتاين مراسل تلفزيون «آر تي» الروسي، وآرون كانتو مراسل صحيفة «تروثارت» الإلكترونية، وجاك كيلار، منتج افلام وثائقية، ومات هيوبارت، صحافي متعاون، وشاي هورس، مصور. تسريبات إجرامية رجح مراقبون ان يطلب ترامب من وزارة العدل التحقيق في تسريب معلومات من وكالات الاستخبارات الوطنية وفي شكل خاص»سي اي ايه»، لاسيما انه كتب في تغريدة له على «تويتر» انه سيطلب ذلك واصفاً اياها بتسريبات اجرامية. وخلال جلسة استجواب في الكونغرس سئل وزير العدل الجديد جيف سيشن اكثر من مرة ماذا سيفعل مع صحافي كشف اسراراً حكومية فتحاشى تقديم اجابة مباشرة. وكان ترامب قال في مؤتمر العمل السياسي الأخير للمحافظين: « يجب عدم السماح لوسائل الإعلام بالاعتماد على مصادر غير محددة بالاسم». وتعليقاً على ذلك وضعت صحيفة «واشنطن بوست» شعاراً اسفل ترويستها على موقعها الإلكتروني يقول: «الديموقراطية تموت في الظلام». ورأت «الغارديان» ان كبير المستشارين في البيت ستيفن بانون لن يتورع عن الضغط من اجل تبني نهج الاستبداد الكامل»، ودعت الكونغرس الى «حماية الدستور والديموقراطية من التهديد غير المسبوق الذي تتعرض له من ترامب». هذا التهديد دفع مؤسسات الميديا الأميركية وفي دول غربية اخرى، الى اللجوء الى «سوفت وير» يستخدم لإخفاء مصادر المعلومات والبيانات الشخصية. وارتفع عدد المؤسسات التي تستخدم هذا ال «سوفت وير»(Secure Drop) الى 30 مؤسسة اميركية وغربية، وهو يتيح امكان التواصل وتبادل المعلومات من دون ترك آثار رقمية يمكن من خلالها تعقب ومعرفة الأشخاص او الجهات التي سربت المعلومات، وذلك عبر خوادم (سرفر) مشفرة. وقال المدير التنفيذي لمجموعة «حرية الصحافة» التي تنتج هذا الخادم تيرفر تيم «ان الاهتمام باستخدام هذا السرفر ارتفع في شكل واسع خلال الشهرين الماضيين» وأضاف ان عشرات المؤسسات الإعلامية ابدت اهتمامها باستخدامه لتيقنها بضرورة الحصول على وسيلة تؤمن حماية اكبر لمصادر المعلومات، ولأولئك الذين يقومون بتعرية منتكهي القوانين من المسؤولين في الدولة والذين يقومون بأفعال تهدد الأمن القومي للبلاد. ووفقاً لتيم فإن «استقالة مستشار الأمن القومي مايكل فلين بعد فضح اتصالاته وروابطه مع السفارة الروسية تقدم نموذجاً مهماً جداً عن دور الإعلام في المجتمع». تعقيدات العمل الإعلامي مع ترامب يتفق خبراء تقنيات النيو ميديا على ان (Secure Drop) منظومة واعدة يمكن استخدامها بسهولة من هيئات تحرير الصحف ووسائل الإعلام الأخرى كونها تسمح لمستخدمها بأن يبقى مجهولاً في شكل كامل لدرجة لا يمكن الكشف عن هويته بأي شكل من اشكال التقنيات المعاصرة. وقالت رئيسة تحرير موقع (The Intercept) بيتس رييد ان «واقع الأوضاع السياسية وسياقات الاستقطاب السياسي الراهنة تجعل من عملية تعاون اي مسؤول حكومي او مصدر للمعلومات مع الصحافيين امراً في غاية الخطورة على الطرفين، وبالتالي من المنطقي ان نحتمي جميعنا بهذه التقنية الرقمية كنوع من الحماية والدفاع عن النفس». دأب الكثير من هيئات تحرير وسائل الإعلام الأميركية والغربية خلال الفترة الأخيرة على استخدام برامج محمية لتبادل الحديث والثرثرة على الإنترنت، اضافة الى برنامج جديد ذاعت شهرته أخيراً انتجته شركة (Confide) وهو يتيح ارسال الرسائل النصية بحيث تختفي بعد تسلمها ومطالعتها فوراً وبلحظات معدودة. ويؤكد مؤسس الشركة جون بورد ان «هذا البرنامج يعادل اجراء محادثة بين شخصين او اكثر وجهاً لوجه». وقال ان «الإقبال على منتوجنا الرقمي ارتفع في شكل ملموس وبمعدل قياسي يصل الى سبعة اضعاف خلال اسبوع، وذلك بعد التهديد الذي وجهه ترامب بفرض عقوبات رادعة ضد الصحف ومسربي المعلومات».